التنبؤ بالزلازل ما بين الحقيقة والأوهام

عقب الزلزال المدمر الذي حدث في أجزاء من تركيا وسورية وما سببه من دمار وفقدان عشرات الآلاف من البشر، وما نتج عنه من مآس إنسانية تؤلم القلب، ولفداحة الكارثة، يدور كثير من القيل والقال والتكهنات حول إمكانية الإنذار المبكر قبيل حدوث الزلزال. وامتد الجدل إلى الظن بوجود مؤامرة وراء ما حدث! وظهر في وسائل الإعلام خلال الأسبوع التالي للكارثة بعض الخبراء وكثير من المهرجين الذين يبحثون عن الشهرة أو زيادة المتابعين، اعتقد بعضهم أن هناك ارتباطا بين الزلزال وبرامج تتعلق بالفضاء أطلقتها دول معينة، أي أن ما حدث هو مؤامرة مدبرة، في حين ذهب بعضهم الآخر إلى اتهام بعض الجهات الحكومية في مناطق الكارثة بالتقصير في إنذار السكان قبل حدوث الزلزال أو إخلائهم بعد حدوثه بوقت قصير.
بناء على هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، فإن التنبؤ بحدوث الزلازل غير ممكن بدقة، فيما يتعلق بالزمان والمكان المحددين، بخلاف الهزات الارتدادية التي يمكن توقعها بسهولة. فعلى الرغم من التفاؤل في أواخر القرن الميلادي الماضي بإمكانية الاعتماد على التوقعات قصيرة المدى، فقد أثبت التنبؤ بالزلازل الكبيرة أنه هدف بعيد المنال. لذلك تركز هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية جهودها على التخفيف طويل المدى لمخاطر الزلازل من خلال المساعدة على تحسين سلامة الهياكل، بدلا من محاولة تحقيق تنبؤات قصيرة المدى.
وحول هذا الموضوع، يشير الدكتور عبدالله العمري رئيس مركز الزلازل في جامعة الملك سعود، إلى أنه من الممكن توقع حدوث الزلازل في أماكن النشاط الزلزالي المعروفة، دون تحديد تاريخ معين، وذلك بالاعتماد على السجل الزلزالي التاريخي في المناطق التي تقع في ملتقى الصفائح العربية والأناضولية واليوراسية.
ومن المثير بعد وقوع زلزال تركيا وسورية، تداول تغريدة لباحث هولندي، يزعم فيها توقع زلزال وشيك في المنطقة، وقوبلت التغريدة من قبل البعض بأن الباحث لم يأت بجديد، لأنها حدثت في منطقة معروفة بعرضتها الكبيرة للهزات الأرضية، مثلما يتوقع شخص ما بأن بركانا سيثور في إندونيسيا، وهو أمر وارد للغاية، أو أن ثلوجا ستتساقط في روسيا دون تحديد التاريخ المحدد. لكن المثير توقيت التغريدة، فهل جاء ذلك مصادفة؟! أعتقد أن ذلك هو المرجح!
في السياق نفسه، ونتيجة للتقدم في تقنيات أجهزة الرصد الزلزالي، يحدد المركز الوطني لمعلومات الزلازل في أمريكا، حدوث نحو 20 ألف زلزال حول العالم كل عام، أي ما يقرب من 55 زلزالا يوميا، وذلك بالتأكيد نتيجة للتطور المذهل في الاتصالات وكذلك في تزايد الاهتمام بالكوارث الطبيعية، علاوة على انتقال المعلومات بين الناس بسرعة أكبر من أي وقت مضى من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
ومن الطريف ما يشير إليه بعض المصادر المبكرة جدا، أي منذ 370 قبل الميلاد، إلى تغير في سلوك بعض الحيوانات قبيل وقوع زلزال كبير، كمغادرة الجرذان والثعابين وغيرها أماكن وجودها إلى أماكن أكثر أمانا، لكن يبقى تفسير هذا اللغز في غاية الصعوبة. من جهة أخرى، يتضح أن التوهجات الشمسية والعواصف المغناطيسية ترتبط بما يعرف بطقس الفضاء، ولم يثبت وجود علاقة سببية بين طقس الفضاء والزلازل.
وبناء على بعض القراءات، أعتقد أن التوقعات المتداولة من قبل كثير من الباحثين عن الشهرة ليست دقيقة، وفي حاجة إلى علماء وخبراء لتصحيح بعض المفاهيم. وأسهم الدكتور العمري في بعض الإضاءات المفيدة في هذا المجال. ومع إيماني بالتقدم العلمي غير المحدود، فإنني آمل الاهتمام بالعمل على تصميم هياكل المباني والمنشآت بما يقاوم الهزات الأرضية وفق دراسات جيولوجية متخصصة ودقيقة، خاصة في المناطق المحاذية لأخدود البحر الأحمر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي