المسكن .. التنازلات تحقق الحلم

مازلنا نسمع وجهات نظر متباينة حول تملك السعوديين المساكن في هذا الوقت بالذات الذي يشهد ارتفاعا في أسعار الأراضي والبناء، يقابله شح في السيولة لدى الاغلبية، مع انعدام سبل التمويل العقاري وبطء شديد جدا في الحصول على قرض من صندوق التنمية العقارية.
لنعلنها بصراحة .. مازال لدينا فئة كبيرة من الناس - وخصوصا الشباب - تضع أمام أنفسها رؤية (معقدة) في تحقيق حلم المسكن تبنتها من الغير، وتعمل على الترويج لها من خلال إقناع الآخرين بها، فالرؤية لدى هؤلاء منطقية (لغيرهم).. كأن يرغب في ضمان مستقبل أسرته (البعيد جدا) في بناء مسكن كبير، أو السكن في حي راق.
من المؤكد أن الذي يسعى إلى تحقيق مطالبه في المسكن لا يعتمد بتاتا على مرتبه الشهري، وهؤلاء غير معنيين بأزمة الإسكان، وبالتالي فإن رؤيتهم سليمة 100 في المائة ويحق لهم الترويج لها وما تتضمنه من زيادة في الرفاهية السكنية كالمسبح والملاحق والمسطحات الخضراء ونحوها.
أما الأشخاص الذين يهمهم البحث عن الحلول التي تضمن لهم تملك المساكن، فعليهم الابتعاد عن هذه الرؤية والتمعن في الواقع الحالي، لأن الأزمة حقيقية ولا يرى بوادر مستقبلية لحلها.
لنتساءل .. لماذا الاعتراض الشديد على تملك أرض مساحتها في حدود 300 متر مربع .. ولماذا نستهدف أحياء راقية لا يقل سعر المتر فيها عن 1200 ريال؟ أما زلنا نعيش في وهم الوجاهة الاجتماعية التي تفرض علينا أين نسكن وبأي مستوى من التشييد والبناء والمساحة؟ أم الانعكاس النفسي السلبي في صعوبة تملك المساكن أفرز لنا رؤية لا يمكن التسليم بها أو قبولها؟
شاب أعرفه شخصيا يعمل بوظيفة في مستشفى الحرس الوطني في الرياض بمرتب شهري يصل إلى 17 ألف ريال ولديه ابنتان لم يصل عمر الكبرى منهن ثلاث سنوات، منذ أربع سنوات وهو دائما (يسولف) بالمسكن، فهو من أشد الأشخاص الحرصاء على تملك (بيت)، ومازال حتى الآن لا يملك الأرض، كما أنه لا يستطيع أن يشتري وحدة سكنية أو أرض لعدم قدرته المالية، وقد حرم من تحقيق حلمه بسبب قناعة يحملها لم يتمكن أحد أن يغيرها، وهي أنه يرغب في مسكن لا تقل مساحته عن 500 متر مربع في أحياء حددها بالاسم من بينها (الغدير والمروج والنفل).
هذا الموظف يجول في الرياض في فترات متفاوتة قبل زواجه وبعد الزواج بحثا عن أرض تارة، وعن منزل جاهز تارة أخرى، كما أنه يزور البنوك وشركات التقسيط، رغم أن زوجته (قنوعة) بمسكن صغير - حسب كلامه - إلا أنه غير (قنوع) لحرصه على مستقبل عائلته.
وشخص آخر علق على موضوع سابق في الموقع عندما ذكرت أن 500 ألف ريال تستطيع أن توفر الأرض وتبني المسكن .. بقوله (السؤال الأهم هو أين يمكن بناء مسكن اقتصادي بـ 500 ألف ريال؟ على المريخ مثلا أم أنه يبنى في الهواء؟ إذا كانت قيمة الأرض لا تقل عن 300 ألف ريال في موقع ناقص الخدمات، فهل تكفي 200 ألف ريال لبناء المسكن أم أنك تقصد بناء شقق كأعشاش العصافير! الشقق قد تصلح لشاب في مقتبل حياته ولكنها ليست مشروعا مجزيا لموظف أمضى حياته في الخدمة) انتهى تعليقه.
أجزم بأن عديدا من الأشخاص يستطيعون أن يؤمنوا لأنفسهم وعائلاتهم مساكن فور تخليهم عن قناعات ستحرمهم من تحقيق حلمهم، فالحصول على أرض بمساحة 300 متر مربع (مثلا) بقيمة 210 آلاف إذا حسبنا سعر المتر المربع بـ 700 ريال في أحياء رائعة من خلال قرض أو غيره، يمثل الخطوة الأولى والمهمة .. بعدها نفكر بالبناء، والذين يحاولون بقناعاتهم أن يضعوا العربة أمام الحصان، عليهم أن يغيروا هذه القناعة ويعيشوا الواقع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي