أضخم خطة إصلاح مالي
بعد الخطة المالية الضخمة التي تبنتها حكومة الرئيس أوباما لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي، جاء دور إصلاح النظام المالي الأمريكي ذاته، الذي بات أمر إصلاحه ضرورة لا مفر منها من أجل استعادة الاستقرار للنظامين الماليين الأمريكي والعالمي فقد أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أخيرا أضخم خطة إصلاح للنظام المالي الأمريكي منذ ثلاثينيات القرن الماضي. وأقر أوباما أن المهمة لن تكون سهلة، فالأزمة الحالية – على حد قوله - هي نتاج سلسلة من الهفوات والفرص المهدرة التي ارتكبت عبر عقود من الزمن، لكنه يأمل أن تضع هذه الخطة أسسا جديدة لنمو اقتصادي دائم ومستقر!
تضمنت خطة أوباما إجراءات جذرية لإصلاح النظام المصرفي والمالي الأمريكي. أهمها أنها فرضت متطلبات رأسمالية أكثر صرامة على المؤسسات، وتبنت مزيدا من القوانين التي تضبط عمل الأسواق المالية. إذ سيصبح من صلاحيات المصرف المركزي – بنك الاحتياط الفيدرالي - مراقبة المؤسسات المالية الكبرى بجانب مراقبته الأصلية للبنوك التجارية. كما تضمنت الخطة تحديد ضوابط الاستحواذ على المؤسسات المالية الفاشلة، وتوصية بتوفير مبالغ مالية لاستخدامها في الأزمات. وتشمل الخطة أيضا إنشاء وكالة لحماية مصالح المستهلكين وخاصة ما تعلق منها بتقنين عمليات الحصول على قروض الرهن العقاري وقروض بطاقات الائتمان. كما تضمنت الخطة معايير للإشراف والتعاون الدولي. وبهذه الإصلاحات يتبين أن غياب الإشراف والمراقبة على المؤسسات المالية في الماضي بدعوى الحرية وعدم التدخل في عمل الأسواق كان خطأ جسيما ارتكبته الحكومات الأمريكية المحافظة السابقة أدى إلى وقوع تجاوزات ممنهجة تسببت في مخاطر جسيمة هددت الاقتصاد والشركات والأفراد.
والواقع أن مجمل هذه الإجراءات لا يخرج عن المبادئ الجوهرية الخمسة التي طالب بها رئيس الوزراء البريطاني جوردن براون قبل عدة شهور. وقد سبق لبراون أن قال إنه تعلم من الأزمة المالية أن الانضباط الذي نتوقعه من الأسواق لا يمكن ضمانه دون إشراف حكومي معزز, وإنه بات على قناعة بأنه يجب على حكومته وبقية حكومات العالم التعامل مع موجة التدفقات المالية العالمية الضخمة بواقعها الجديد شديد التعقيد بفكر ونظام مالي ورقابي مختلف.
لقد بات العالم اليوم على يقين من فساد فكرة أن الأسواق تصحح نفسها بنفسها، ولعل هذا هو الدرس البليغ الذي تعلمه كثيرون من هذه الأزمة. وإذا كانت الأسواق لا تصحح نفسها فمن باب أولي أن تكون قاصرة عن علاج الخلل الذي تحدثه في مسألة توزيع الدخول والثروات. ومع ذلك علينا الحذر، فإن الشطط في الناحتين مذموم ! فحرية الأسواق المطلقة غدت غير مقبولة، بعد ما تبين أن الأسواق وحدها غير قادرة على تحقيق الاستقرار وعدالة التوزيع. كما أن إطلاق العنان للتدخل الحكومي في كل نشاط سيكون أمرا مخلا ومدمرا لعنصر الكفاءة في حياتنا الاقتصادية.
هناك الكثير الذي يمكن لنا هنا أن نتعلمه من هذه الأزمة، ولعل واحدا من أهم هذه الدروس هو أن تغير الزمان يقتضى تغير الحال، وأن إهمال الإصلاحات التي تتعلق بالأنظمة والمؤسسات الاقتصادية سيكلفنا كمجتمع أكثر مما كنا نظن، ليس ماليا فقط بل حتى اجتماعيا وأمنيا!