Author

في المتن والهامش الإعلامي

|

بالنسبة إلى غير المتخصص يبدو فهم الإعلام الرياضي أمرا ليس يسيرا، فهو شديد وسريع التقلب، وأكثر مجالات الإعلام والاتصال الخاضعة للمزاج، والانفعالات الوقتية التي تشوش على الحيادية والشفافية.
هذا الأمر ليس حكرا على الإعلام العربي، فقد أتاح اهتمامي المتزايد بمسابقة كأس العالم لكونها تقام في الجوار، ولكون فريقنا الوطني بدأها بقوة، الاطلاع على مواد كثيرة من الإعلام الرياضي في كثير من الدول، ولاحظت اشتراك معظم الإعلام الرياضي في الوقوع في مأزق مجاراة "المزاج العام" للجمهور.
أتفهم هذه المجاراة إلى حد كبير، لكن وكما في أي إعلام متخصص آخر لا بد أن تكون هناك مواد مصنوعة بحرفية ومهنية ليقرأها المتخصصون والعاملون في القطاع الرياضي بمختلف مهنهم الإدارية والفنية، ومعهم حتى شركات إنتاج المواد والخدمات المستخدمة في القطاع بجميع أشكالها.
بعض الصحافيين المتخصصين ينجحون في صناعة الفرق المعرفي لدى متلقي عادي لا يتابع كثيرا، وهم يوجهون موادهم إلى "أهل الكار" إن صح التشبيه، فتجد مثلا مواد عن متوسط أعمار أو أطوال اللاعبين، وإحصاءات تاريخية للمقارنة في أشياء لا تتوقعها مثل تاريخ هذا الفريق أو ذاك النجم مع الإصابات، أو شروحات مبسطة للمفاهيم والقوانين المستجدة في اللعبة، لعبة كرة القدم، أو في أي رياضة أخرى.
بالنسبة إلى المتابع المناسباتي هي فرصة للاطلاع والاستزادة، وهنا أجد نقصا كبيرا في المواد الرياضية الممتعة أو المفيدة، ويبدو لي أن هذا الإعلام بحاجة إلى التصالح مع غير المتعصبين أولا، ثم هو في حاجة إلى انفتاح وتشابك أكثر مع الإعلام الاجتماعي والثقافي اللذين يتزايد حضورهما في المناسبات العالمية الكبرى كالمسابقة التي تجري الآن.
من الواضح أن هناك اهتماما متزايدا من المتلقين في بيوتهم أو على أجهزتهم والحضور في الملاعب والشوارع بالجوانب غير الرياضية للدول والمجتمعات حتى الأفراد، يزايد ذلك مع تزايد وسائل الاتصال وتنوعها، ويبدو واضحا من "تخلخل" انطباعات كثيرة لدى الجماهير عن مجتمعات معينة كانت راسخة في يقينها الذي يظهره تكرارها السابق لهذه الانطباعات بسطحية مزعجة.
كانت التفاصيل الاقتصادية لعالم الرياضة في الهامش لفترة، ومنذ عقدين أو ثلاثة دخلت في متن الإعلامين الرياضي والاقتصادي، ويبدو أن "الملامح" الاجتماعية، والسمات الثقافية تحتاجان إلى الإزاحة التدريجية لتفعل المثل وتصبح في متن الإعلام الرياضي. الذهاب إلى هذا العمق ربما يسهم في تطوير القدرات النقدية للمتخصصين في تقييم وتفنيد أداء الأفراد أو الفرق في هذه اللعبة أو غيرها، وربما أيضا يسهم في تطور تفكير كثير من الفرق وأدائها.

إنشرها