سفراء فوق العادة

ليس السفير هو الموظف الرسمي في وزارات الخارجية فقط. كل مواطن في أي بلد يستطيع أن يكون سفيرا مؤثرا ورائعا لبلاده. وربما كان أكثر هؤلاء احتمالا لأداء هذا الدور هم المفكرون والعلماء ورجال الأعمال والموهوبون من أصحاب المهارات ثم بدرجة أقل الطلبة وعامة السياح. وغالب ساحات هذه المشاركات هي المؤتمرات العلمية، الندوات الفكرية، المعارض الثقافية والتجارية، الدورات الرياضية، والزيارات السياحية ونحوها. وكلما كان المجتمع يتمتع بدرجة أعلى من الحريات كانت مشاركات أفراده في المحافل الدولية أرقى نوعا وأكثر تنوعا وأقوى تأثيرا.
وعلى الرغم من القيود المحبطة على مثل هذه المشاركات في بعض الدول النامية بسبب سيطرة ثقافة سيادة وتفرد الدور الرسمي على الأدوار الشعبية، إلا أن بعض الجهود الفردية تنجح في تخطي القيود الرسمية المحبطة وتقدم مساهمات وطنية بارزة ومسؤولة، وقد تكون عفوية ولكنها مؤثرة. وأصحاب هذه الجهود لا ينتظرون نتائج آنية مباشرة، وإنما يؤدون أدوارهم عن قناعات ويمضون في سبيلهم تاركين جني ثمراتها للزمن.
من هذه الجهود التي أتت ثمارها أخيرا، ما حدثني عنه المهندس محمد عبد اللطيف جميل في منتصف عام 2006 عن نيته تكليف مؤسسة جالوب Gallup الشهيرة القيام بدراسة منهجية قائمة على استطلاع آراء الناس في العالمين الإسلامي والغربي حول عدد من القضايا المشتركة، من أجل تعزيز سبل التفاهم بين الشعوب وتغيير الصور النمطية الخاطئة. وكان حريصا على جعل نتائج هذه الدراسة متاحة للجميع ضمن برنامج مستمر يجري تحديثه وتجديده ونشره على موقع خاص في الشبكة الدولية للمعلومات (الإنترنت)، مع قيام المؤسسة دوريا بتزويد أهم ألف شخصية عالمية مؤثرة من صناع القرار وأصحاب الرأي من السياسيين والمفكرين والإعلاميين بنتائج هذه الدراسة. والغرض من ذلك ليس التدخل في تشكيل سياسات صناع القرار، وإنما إيصال الحقيقة إليهم كما هي قائمة في الواقع وبطريقة مجردة من الميول والأهواء الشخصية، وذلك من خلال دراسة مهنية احترافية مبنية على استطلاع الآراء بطرق موضوعية.
وقد جرى بالفعل إعداد هذه الدراسة وعرضت نتائجها الباهرة على موقع إلكتروني خاص بها. وقد كتبت عنها قبل أكثر من عام ونصف في مقالتين متتابعتين بعنوان "مفاهيم مغلوطة" . ثم صدرت هذه الدراسة في كتاب بعنوان "من يتكلم نيابة عن الإسلام ؟" أعده مركز جالوب وأسهمت في إعداده داليا مجاهد التي اختارها أخيرا الرئيس باراك أوباما كمستشارة له لشؤون المسلمين. وقد كان لها دور مؤثر في إعداد خطابي الرئيس أوباما اللذين ألقاهما في كل من تركيا ومصر. فقد أوصت داليا أن يحوي خطاب الرئيس أوباما للعالم الإسلامي عدة نقاط أهمها الاحترام المتبادل بين الجانبين، وأن تقترن السياسات الأمريكية بالأفعال وليس التصريحات فقط، ودعوة المسلمين للمشاركة والتعاون في حل مشكلات العالم، وإبداء تفهم لمشكلات المسلمين وأسباب غضبهم من الولايات المتحدة. كما نصحت الرئيس ألا يقتصر خطابه على النواحي الدينية والثقافية كما قال له البعض، بل عليه أن يعالج القضايا السياسية أيضا.
نحن نعرف كم كانت جهودنا كعرب متواضعة تجاه قضايانا، فهي جهودٌ لا نسق لها، لا تعدو أن تكون وقائع مبعثرة غير ممنهجة توشك أن تكون عشوائية. وبرعايته لمثل هذه الدراسة، قدم المهندس محمد جميل خدمة جليلة بالغة الأهمية لوطنه ولأمته. أمثاله هم سفراء بلا سفارة، إنهم سفراء فوق العادة!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي