Author

تهديد بالانقراض!

|
يصعب على المرء تقبل الذم أو فكرة النقص فيمن يعشق، ويصعب عليه أكثر الاعتراف بحقائق أو عيوب عن أو في المعشوق ظل يتجاهلها تحت سطوة فكرة أو ممارسة المثل الشهير "الحب أعمى"، وإذا كان هذا المعشوق هو خبز "التميس" سيزداد الأمر سوءا لارتباطه بالجوع، والجوع "كافر"، والكافر في الأغلب لا يرى أو هو لا يبصر آيات الله في الأرض، فهو أعمى بصر وبصيرة.
أكتب عنه لأن لدي إحساسا أنه بات مهددا بالانقراض خاصة في المدن الكبرى، فالمتأمل يجد أن مخابز هذا النوع تقل تدريجيا في الأحياء، وإقبال الأجيال الجديدة على الإفطار به بات نوعا من الترفيه الأسبوعي فقط، لأنهم استبدلوه بفطائر المقاهي، وتلك الأشياء الغريبة التي يطلقون عليها إفطارا، وهي لا تمت لهذه الوجبة العظيمة بصلة.
أذكر قبل أعوام، تدولت معلومات عن عدد السعرات الحرارية الكبيرة في التميس، وشنت حملة مغرضة عن ارتفاع عدد السعرات الحرارية في هذا الخبز الجميل، وكنت في صفوف المدافعين عنه آنذاك، وكثر الجدل حول كيفية قياس السعرات الحرارية في كل "حبة تميس" ولم يتم التوصل إلى حل وسط بين الفريقين.
إذا رأيت البدائل التي فرضها تغير العرض من قبل المقاهي والتطبيقات لوجبة الإفطار ستجد أن البدائل معظمها نشويات وسكريات فقط، بينما كان ولا يزال التميس صنوا للبروتين سواء كان طبق الفول أو البيض -أحدهما أو كلاهما- ومعهما العدس أو أي من حواضر البيت التي يسميها البعض "نواشف" وهي تسمية غير منصفة.
التغيرات الاقتصادية والاجتماعية تغير العادات الغذائية، وتعاقب الأجيال كذلك، وفي الإجمال تبدو لي هذه التغيرات سواء كانت للأفضل أو الأسوأ تبعا لتباين الناس بمنزلة التعبير عن سلوك اجتماعي متكرر، وربما متناسخ، فقبل عقد أو عقدين من الزمن فقط كان الإفطار أهم من القهوة مثلا، واليوم أصبح السلوك العام أن القهوة أولا، وربما أولا وأخيرا، وفي هذا مؤشر استهلاكي مهم.
الاعتقادات الغذائية، والسفر، وتركز السكان في المدن الكبرى، بل حتى العوامل النفسية وأحيانا أخرى الدينية كلها تؤثر في خيارات الإنسان الغذائية، ويمكنني إضافة تلاشي السلطة الأسرية على الذائقة الغذائية، حيث لم يعد الوالدان قادرين -إلا فيما ندر- على فرض أو فلنقل توريث عاداتهم الغذائية الأفضل - من وجهة نظرهما - وهذا سيعني مع مرور الوقت انقراض المعشوقة أعلاه، وربما يتطلب الحصول عليها مستقبلا تحميل تطبيق خاص يوصلها بسعر عال يفرضه قانون الندرة.
إنشرها