هل تعمل الأزمة المالية العالمية على حل أزمتنا الإدارية (1 من 2)
يعيش العالم الآن تحت وطأة الأزمة المالية بجميع آثارها الاقتصادية والمعيشية والنفسية، وقد جند الغرب كل مهاراته وإمكاناته، للخروج من هذا المأزق وعدم الاستمرار في هذا الوضع ومن ثم الدخول في كساد لا يعلم نتائجه إلا الله، وكلنا يسمع ويقرأ ما يتم من إجراءات ومراجعات لحل هذه المشكلة، فلقد سخروا لها كل طاقاتهم وقدراتهم واعملوا أفكارهم ووضعوا الخطط والدراسات اللازمة، وهذا هو الحس الإداري المطلوب، فليس من المعقول الركون إلى الأحداث والتعامل مع نتائجها فقط، بل علينا دراستها ومعرفة مسبباتها ووضع الحلول اللازمة لمعالجتها أو الحد منها، والعمل على تلافي حدوثها مرة أخرى، فهل يحرك هذا النشاط العالمي في غرب العالم وشرقه الحس الإداري لدى العالم العربي لمراجعة أوضاعه المعيشية المتردية ومشكلاته المستمرة، وهل تكون هذه الأزمة العالمية وما يعمل لها من حلول حافزاً للعالم العربي لمراجعة نهجه الإداري الحالي الذي غلب عليه العجز والوهن والبدء في تبني تغيير جذري لنمط التفكير الإداري في العالم العربي؟
كنت قد بدأت الإعداد لكتابة هذا الموضوع قبل التغيير الوزاري الذي حدث والذي شمل أهم مقومات النهوض بالأمم على المدى البعيد وهي: التعليم، والصحة، والقضاء.
وهذه خطوة موفقة لولي الأمر الذي منذ أن تولى أمر هذا الوطن وهو لا يدخر جهدا ولا مالا إلا ويعمل على تسخيره لخدمة وطنه ومن منطلق الأمانة الملقاة على عاتقنا، ولقد سمعته يقول لأعضاء الشورى "لا تبخلوا علي بآرائكم"، ومن هذا الباب فكلنا مسؤولون أمام ولي الأمر بأن ندلي بدلونا ونعمل على إيصال ما نراه من حق يسهم في دفع عجلة التنمية ويصب في مصلحة الوطن.
ومن هذا المنطلق فإني لا أتحدث عن الأزمة المالية التي بدأت منهم وهم الأكثر تضرراً منها وانعكاساتها واضحة للجميع ولن يسلم منها أحد، ولكني هنا أرغب بل يجب أن أتحدث عن أزمتنا نحن في العالم العربي وهي أزمة دائمة، سواء مر العالم بأزمة مالية أو لا، فآثار الأزمة الإدارية على العالم العربي واضحة ومشاهده للعيان في حياتنا اليومية ومعاملاتنا الحكومية ونشاطنا التجاري، التي يعتريها ما يعتريها من معاناة وتعطيل وتعويق، بل يتعدى الأمر إلى أن يتضرر البعض من هذه الأزمة الإدارية، ووصل الأمر إلى أن المواطن أو المقيم يشكر الله إذا أنهى موضوعه أو حصل على الخدمة التي يريدها - التي هي حق مشروع له - وكأنه حقق إنجازا بسبب ما عايشه ومر به من معاناة وتعطيل وتأخير بسبب التعامل الإداري الذي يتم في دولنا العربية وترزح تحتها شعوبنا، والأدهى والأمر أننا بدأنا نتعايش مع هذه الأمور ونتأقلم معها وكأنها قدرنا.
وعندما نتحدث عن التعديل أو التطوير مع الآخرين تجدهم يصفونك بغير الواقعي أو أنك متفائل أكثر من اللازم، وإذا اجتهدت وأقدمت أو قدمت مشروعا للتطوير واضحا وبديهيا وسعيت لتحقيقه اصطدمت بمعوقات البيروقراطية، فالجهة المسؤولة مشغولة ولم تقدم على التطوير بسبب ما تعيشه من دوامة عمل روتينية جعلتها لا تستطيع التفكير في طريقة الخلاص مما هي فيه ولم تفكر في معالجة المشكلة بل انشغلت بالتعايش مع المشكلة وهذه أخطر مرحلة تنتهي إليها أي إدارة.
مما سبق يتضح أن السبيل الصحيح لتغيير الوضع يستوجب طريقة تفكير مختلفة عن النمط الإداري والتفكير الروتيني الذي اعتادوا العمل من خلاله، وعليهم أن يبدأوا في التفكير خارج إطارهم الإداري الضيق والنظر للموضوع بشمولية وتلمس حاجة المستفيد الأول وهو العميل سواء كان مواطنا أو غيره وعدم العمل والتعامل بروتينية أو فوقية أو بمبدأ أن ما لا ينتهي اليوم ينتهي غداً، وعدم الشعور بعامل الوقت ومتطلبات الآخرين.
وللأسف فإن هذا هو ما يلمسه ويعانيه أي شخص يرغب في إنهاء احتياجاته سواء كانت شخصية أو عمل، وأعتقد أنني في غنى عن ذكر الحقائق فزيارة واحدة لأي دائرة حكومية سواء كانت الجوازات، مكتب العمل، التجارة، البلدية، المرور أو غيرها ولعلي أكفيك عناء مراجعة هذه الدوائر الحكومية التي لا نذهب إليها إلا اضطراراً، فما عليك وأنت تقود سيارتك في شوارع بلدنا الحبيب – لا أقول في شوارع قرى أو هجر بل في شوارع العاصمة - إلا أن تمعن النظر ستلاحظ دون مجاهدة أمورا كثيرة منها حفريات طال أمدها وحفريات أخرى عميقة وخطيرة غابت عنها عناصر السلامة فأصبحت تهدد سالكي هذه الطرق، وبعد هذه المدة الطويلة وما صحبها من إعاقة للحركة وحوادث وأضرار لبعض المحال التجارية يتم الانتهاء من هذه الحفريات بطريقه غير مقبولة ولا مهنية تاركةً آثارها في هذا الشارع ما بقي هذا الشارع حتى تأتي حفريات جديدة وهذا، إضافة إلى هذه الحفريات نجد أن هذه الشوارع تعاني ازدحاماً شديدا ً يضاعف هذه المعاناة نتيجة لهذه الحفريات، والأكثر إيلاماً لك كمواطن غيور ما تجده من عمائر تحت الإنشاء ولا تجد لها مواقف كافية، ولا تعلم كيف سيكون عليه الحال بعد انتهائها، فأنت في معاناة خلال بنائها وبعد انتهائها، وذلك بسبب غياب المواقف العامة في مدننا رغم أهميتها على خلاف ما تشاهده في الدول الأخرى لا أقول في أمريكا وأوروبا، حيث الأنظمة والنظام ولكل شيء حق واحترام، بل وفي دول مثل ماليزيا ودبي تؤخذ هذه الأمور في الحسبان، وما نمر فيه من معاناة يعود أسبابها لغياب الحس الإداري والذي لا يغفل مثل هذه الأمور التي لها تأثير آن ومستقبلي، وليس فقط إنشاء مشاريع تركز على الكسب المادي السريع ولو أسهبت في هذا الباب لطرحت كثيرا من القضايا، وإنما ذكرت ما نعانيه كمثال لوضعنا الإداري الصعب، وبسبب ما ذكرناه آنفاً وما تشاهده وتعايشه في بلدك يجعلك تشعر بضيق وحسرة على بلدك لماذا تعاني، ويعاني أهلها مثل هذا!! وينقل المقيم والزائر انطباعات سيئة عن معاملاتنا ووطننا، والدولة في المقابل تدفع مبالغ طائلة للعمل على إظهار الوطن بأفضل حال فما هو العمل والحل؟
الحل الحقيقي هو مراجعة نهجنا وأسلوب عملنا الإداري وأقصد الإدارة بمفهومها الشامل وليس بمفهومها الحالي وما يتعامل به الآخرون من أن الإدارة هي سلطة أمر ونهي فقط، هذا الفهم الضيق للإدارة جعل الصلاحيات والمسؤوليات كلها بيد أعلى سلطة في أي مرفق أو مؤسسه، ما جعل بقية الموظفين باختلاف مستوياتهم يعملون أعمالا سكرتارية، فنجد أن مدير إدارة ليس له قدرة على اتخاذ قرار دون الرفع لرئيسه (المدير العام) والمدير العام لا يملك الصلاحية والتفويض فيرفعه إلى وكيل الوزارة بل ونجد وكلاء وزارات لا يملكون حلا ولا ربطا، بل يرفعون الأمور لرؤسائهم من وزراء وغيرهم، وبالتالي، فإن العمل الذي يتم من قبل موظف عادي يرتفع ويشغل كل هذه المستويات الإدارية حتى يصل لصاحب الصلاحية وهو الوزير أو رئيس الجهاز، وبهذا تتعطل الأعمال وينشغل صاحب أعلى سلطة في مثل هذه المهام الروتينية التي كان ينبغي القيام بها من قبل موظفيه عن القيام بواجباته الرئيسة التي تم تعيينه من أجلها.
مما سبق تتضح أهمية الوقوف على ما يجب علينا فهمه وتحديده ومن ثم تنفيذه، فالأمر يحتاج إلى ثقافة إدارية واعية وفكر إداري جديد يساير الواقع ويجاري العصر الذي نعيشه يتمثل في خطط طويلة الأمد وأخرى قصيرة الأمد.
فعلى المدى البعيد المطلوب البدء في تنمية الثقافة الإدارية الجديدة التي ترتكز على عناصر رئيسة من أهمها:
غرس روح المسؤولية، احترام المواعيد، الالتزام، إدراك أهمية الوقت، احترام الآخرين، العمل بروح الإنتاج وتعزيز الفكر المنتج وليس الفكر الاستهلاكي الذي تفشى في مواطنينا، وأصبحنا سوق كبيرة لكل منتجات الآخرين سيئها قبل جيدها، وكذلك تعزيز الحس الاقتصادي، وأهميه العمل بروح الفريق.
وأولاً وأخيراً معرفة ما لك وما عليك فبمعرفة ما لك ستسهم بقوة في تحسين الخدمات المقدمة من قبل الآخرين، وستعمل على رفع الجودة والمطالبة بها بما ينعكس إيجاباً على مستوى الخدمات في البلد، وبمعرفة ما عليك ستعمل على تحقيق هذه الأمور، حيث إن كلا منا له دور كمستفيد وكمساهم على مختلف المستويات وفي كل مشارب حياتنا اليومية، سواء كان في العمل أو التجارة أو الدراسة أو السوق أو الشارع وفي حياتنا الاجتماعية.
ومثل هذه الأمور تحتاج إلى وقت، وأعتقد أن الجانب التعليمي له دور رئيس في تحقيق الثقافة الإدارية وفي البلد، ولله الحمد، حراك تعليمي جيد نتمنى من الله ـ عز وجل ـ أن يوفق الجميع إلى في تحقيق الأهداف بما يعود بالنفع لوطننا، ولا نغفل دور المنزل والمسجد فهي مهمة في تعزيز مثل هذه الثقافة التي هي جزء من ديننا الإسلامي الشامل.
وعلى المدى القصير (السريع) فهي تعنى بالفكر الإداري أي استيعاب الإدارة بمفهومها الواسع، وهذا يجعلنا نفتح هذا الجرح الغائر ونحاول أن نعرف أسبابه وطريقة علاجه، وسنعرض في المقالات القادمة– بإذن الله – بعض المشكلات الإدارية التي يعانيها الموظفون وأسبابها وطرق علاجها، ومن ثم سنتطرق لبعض التجارب الإدارية الناجحة التي حققت قفزات هائلة والعمل على الاستفادة من مثل هذه الدروس.