فن الصفقة.. باللغة العربية

فن الصفقة.. باللغة العربية

القيادة السعودية تفاوض بحزم وإصرار، فقد حظيت بتنازل كبير من الولايات المتحدة عند إحداثها تغييرًا رمزيًّا إلى حد كبير في سياسة البترول وظفرت بموافقة روسيا على ذلك. والراجح أن آمال المستهلكين (والسياسيين) في انخفاض أسعار الوقود ستؤول إلى الخيبة.
فقد وافقت يوم الخميس مجموعة أوبك بلس (في اجتماع آخر قصير لم يتجاوز 15 دقيقة) على التعجيل بزيادات الإنتاج المخطط لها، مستجيبة بذلك لانزعاج المستهلكين من ارتفاع أسعار الوقود، ومن الجدير بالاهتمام أن القرار فيما يبدو قد أيدته روسيا رغم العقوبات التي شكلت صعوبات كبيرة لها في تسويقها لصادرات بترولها.
كانت خطة المجموعة ابتداءً وفقا لأحكام صفقة اتُّفق عليها العام الماضي أن تزيد الإنتاج بكمية أكثر بقليل من 400 ألف برميل يوميا لكل من يوليو وأغسطس وسبتمبر، وبذلك تكون قد أعادت إلى السوق بعد سنتين ونصف تقريبا جميع الكميات الضخمة التي خفضتها بسبب وباء كوفيد-19 في 2020، والاتفاق الأخير يضغط تلك الخطة إلى زيادتين بـ 650 ألف برميل يوميا تقريبا في كل من شهر يوليو وأغسطس لتصل بذلك المجموعة إلى إجمالي الزيادة المخطط لها ابتداء في سبتمبر قبل سبتمبر بشهر.
هذا التغيير في السياسة يأتي بعد أشهر من رفض تعديل خطة الإنتاج رغم طلبات الرئيس بايدن وغيره من قادة الدول المستهلكة، الرفض الذي جعل الولايات المتحدة وحلفاءها في وكالة الطاقة الدولية يشرعون في عمليات سحب كبيرة في المخزونات الإستراتيجية للحد من ضغوطات الأسعار.
وأوضح بيان أوبك بعد الاجتماع أن قرار التعجيل كان دافعه توقعات إعادة فتح الإغلاقات في "مراكز اقتصادية عالمية كبرى" (أي الصين) وارتفاع طلب المصافي للبترول الخام الذي يأتي بعد صيانة المصافي السنوية، واختتمت المجموعة بيانها بالتأكيد على التزامها بـ "أسواق مستقرة ومتوازنة للبترول الخام والمنتجات المكررة".
رحب البيت الأبيض بالقرار، وأشاد أيضا بدور المملكة في وقف إطلاق النار في اليمن، وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، ذاع خبر أن الرئيس بايدن - بعد أن كان قد تعهد بنبذ المملكة ورفض أن يتحدث مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان - سيزور المملكة في وقت لاحق من هذا الشهر (في مساء يوم الجمعة ذكر البيت الأبيض أن الزيارة ستكون في الشهر المقبل). ولا شك أن هذا يوحي بأن هذين الحدثين مرتبطان.
يبدو أنها صفقة جيدة للسعوديين، فمقابل زيارة من الرئيس بايدن، أحدثت المملكة تغييرا في سياسة أوبك بلس يقضي بإضافة أكثر من 200 ألف برميل يوميا في شهر يوليو و400 ألف برميل يوميا في شهر أغسطس. إجمالي الزيادة سيضيف 20 مليون برميل تقريبا إلى سوق البترول في شهر يوليو وأغسطس، ولوضع ذلك في سياق مناسب، فإن إجمالي زيادة الإمدادات في هذين الشهرين سيغطي الطلب العالمي للبترول لمدة خمس ساعات تقريبا، أو بمعنى آخر سيكون مساويًا لثلث الزيادة التي ستضيفها الولايات المتحدة في نفس الفترة بناء على السحوبات المخطط لها من المخزونات الإستراتيجية.
من تلك العشرين مليون برميل الإجمالية، خمسة ملايين برميل تقريبا ستأتي من السعودية بناء على حصتها الإنتاجية في المجموعة، أي أنها ستضيف فوق ما كان مخططا له من قبل أقل من نصف كمية يوم واحد من إنتاجها الحالي على مدى الشهرين القادمين. 
وفي الواقع فقد لا يكون هناك زيادة تذكر، فقد كان إنتاج أوبك بلس أقل بكثير من الأهداف الرسمية، ففي أبريل (آخر شهر يوجد بيانات عنه) تخلفت المجموعة عن إنتاجها الإجمالي المستهدف بأكثر من مليونين ونصف مليون برميل يوميا. نصف هذا التخلف تقريبا بسبب انخفاض الإنتاج الروسي، لكن أيضا كثير من الأعضاء ليس لديهم القدرة على زيادة الإمدادات، فقد تخلفت نيجيريا وأنجولا وكازاخستان وماليزيا وأذربيجان بوتيرة مستمرة عن تحقيق مستهدفاتها من الإنتاج في الأشهر الماضية، وبالنظر إلى أداء المجموعة العام والتقديرات التي ترجح أن القدرة الاحتياطية لدى أوبك متركزة في منتجي الخليج (دول الخليج الثلاث والعراق)، فإن من المنطقي توقع أنه سيتحقق ربما نصف الزيادة الموعودة فقط، أي ربما 10 ملايين برميل بالمجمل في شهري يوليو وأغسطس مقارنة بما كان مخططا له من قبل، وذلك مساوٍ لزيادة قدرها 150 ألف برميل يوميا من أوبك بلس في سوق عالمية حجمها 100 مليون برميل يوميا.
وقد أفادت بعض التقارير بأن هذا القرار يمثل بداية اتفاق جديد لما بعد روسيا في أوبك بلس، وبداية تحسن العلاقات السعودية الأمريكية. من الناحية النظرية، تستطيع المملكة العربية السعودية والدول الخليجية الأخرى ذات القدرة الإنتاجية الاحتياطية زيادة الإنتاج فوق مستهدفاتها لتعويض النقص لدى الدول الأخرى، لكنها ظلت رافضة أن تسلك هذه الطريق في الأشهر الماضية، ومنذ اجتماع الأسبوع الماضي لم يصدر تصريح علني يضفي مصداقية لهذه التكهنات، وموافقة روسيا على هذا التغيير في سياسة أوبك بلس (التي أعلنت بعد يوم من زيارة وزير الخارجية الروسي لافروف للرياض) تدل على أن هذا الانفصال الدرامي ما هو إلا محض أمنيات في الوقت الحالي.
ولا يبدو أن هذا الإعلان قد أثر في صعود الأسعار، فبعد انخفاض خام برنت في وقت مبكر نتيجة لأخبار أن أوبك بلس سترفع الإنتاج، أغلق بارتفاع يسير في نفس يوم الاجتماع، ليرتفع أكثر منذ ذلك الحين (سعره الآن 120 دولار للبرميل). وكشفت الرابطة الأمريكية للسيارات أن متوسط أسعار البنزين والديزل على المستوى الوطني في الولايات المتحدة بلغ أرقاما قياسية (اسمية) اليوم (6 يونيو) بـ 4.87 دولار للجالون و5.65 دولار للجالون على التوالي.

* "فوربس الأمريكية"

الأكثر قراءة