انحسار التضخم في الخليج

تشير العديد من المؤشرات إلى انحسار ظاهرة التضخم في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي لأسباب هيكلية تتعلق بتراجع الإيجارات فضلا عن ارتفاع قيمة الدولار. زعمنا هذا يسند إلى التعريف العلمي للتضخم، أي ارتفاع الأسعار وبقائها مرتفعة. فقد كشفت أرقام الإدارة المركزية للإحصاءات في السعودية عن استمرار تراجع مستوى التضخم للشهر السادس على التوالي، حيث بلغ 5.21 في المائة في نيسان (أبريل). بالمقارنة، بلغت نسبة التضخم 6 في المائة في آذار (مارس) من العام الجاري. ويبدوا أن تصحيح مستويات التضخم يعود في جانبه إلى انخفاض أسعار الإيجارات والتي بدورها هبطت بنحو 19 في المائة في نيسان (أبريل).
أما في الكويت، فيتوقع تقرير حديث أصدره بنك الكويت الوطني تراجع التضخم ليستقر عند 6 في المائة في نهاية 2009. بالمقارنة، عانت الكويت أزمة تضخم بلغت حد 9 في المائة في 2008 كانعكاس لارتفاع أسعار النفط بشكل قياسي، حيث وصلت رقما قياسيا قدره 147 دولارا للبرميل في حزيران (يونيو) من السنة نفسها. لكن تهاوت أسعار النفط في النصف الثاني من 2008 وذلك على خلفية بروز أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة.
إجراءات قطرية
وفيما يتعلق بقطر، والتي عانت ظاهرة التضخم أكثر من غيرها في دول مجلس التعاون الخليجي، فهناك حديث عن السيطرة على معضلة ارتفاع الأسعار. فقد نسبت تقارير صحافية إلى إبراهيم الإبراهيم قوله: إن معدل التضخم في قطر قد انخفض إلى الصفر. وربط المستشار الاقتصادي لأمير قطر تراجع الأسعار بهبوط تكلفة قطاع الإسكان بشكل خاص. وحسب الإحصاءات الرسمية، فقد انخفض مؤشر المستهلك في قطر بأكثر من 9 في المائة في الربع الأول من العام الجاري لعدة أسباب في مقدمتها تراجع تكلفة المساكن بنحو 16 في المائة.
وكرد فعل لمحاربة التضخم والتي بلغت نحو 14 في المائة في السنوات القليلة الماضية قررت السلطات القطرية تحديد ارتفاع قيمة الإيجارات بواقع 10 في المائة سنويا كحد أقصى ابتداء من عام 2006. وقد تم اتخاذ الخطوة للحد من قيام أصحاب الأملاك بإجراء زيادة دورية أو غير عادية على الإيجارات.
ارتفاع قيمة الدولار
وكما بينا سلفا، فهناك علاقة مباشرة بين مستويات التضخم وتكلفة العقارات. بدورنا نعتقد أن موجة تراجع الإيجارات لن تدوم طويلا بسبب مشكلة العرض في قطاع العقارات. فقد تسببت الأزمة المالية العالمية، والتي بدأت من الولايات المتحدة في صيف 2008، إلى تصدع الثقة ما أدى إلى عدم انحسار رغبة البنوك في تقديم التسهيلات المصرفية وبالتالي الحد من نمو عرض العقارات. ولا يمكن استبعاد فرضية حدوث ارتفاع نسبي في قيمة الإيجارات في وقت لاحق فيما إذا واصلت المصارف سياستها المحافظة في منح القروض العقارية. مصدر التخوف هذا يعود بالضرورة إلى قانون العرض والطلب، حيث إن نمو الطلب يجب أن يقابله نمو في العرض لغرض تحاشي حدوث خلل بالنسبة للأسعار.
كما يعود جانب من تراجع مستوى التضخم إلى ارتفاع قيمة الدولار في الأسواق العالمية في أعقاب ظهور أزمة الرهن العقاري. يزيد الطلب على الدولار أثناء الأزمات المالية، حيث تعد العملة الأمريكية أهم عملة صعبة على مستوى العالم. المعروف أن العديد من السلع الاستراتيجية في العالم مثل النفط والغاز وأسعار المواد الأولية مسعرة بالدولار الأمريكي. على سبيل المثال، ارتفع سعر الصرف بنحو 20 في المائة في غضون 12 شهرا من دولار و60 سنتا إلى دولار و29 سنتا لليورو ما بين نيسان (أبريل) 2008 و2009. في المقابل، فقد الدولار الأمريكي نحو 40 في المائة من قيمته في الفترة ما بين 2002 و2008.
عدو الجميع
حقيقة القول، هناك عدة متغيرات وراء ظاهرة التضخم في دول مجلس التعاون والتي استمرت لعدة سنوات. فهناك مسألة التضخم المستورد بسبب ارتباط عملات دول المجلس بالدولار الأمريكي باستثناء الكويت والتي تربط عملتها بسلة عملات تشمل الدور وعملات صعبة أخرى. تتحمل دول المجلس تبعات هذا الترابط فيما يخص استيراد معدلات التضخم السائدة في السوق الأمريكية وخصوصا في حال تدني قيمة الدولار مقابل العملات الرئيسة الأخرى مثل اليورو والجنيه الاسترليني والين الياباني. تشكل السلع القادمة إلى داخل دول مجلس التعاون من دول لا ترتبط عملتها بالدولار مثل السيارات والأجهزة الواردة من ألمانيا واليابان والصين نحو ثلث الواردات الداخلة للمنظومة الخليجية.
هناك شبه اتفاق بين علماء وأساتذة الاقتصاد باعتبار التضخم أكبر عدو لأي اقتصاد. والسبب في ذلك هو أن التضخم يضر الجميع، حيث ترتفع الأسعار بشكل نسبي للفقير والتاجر. لكن يختلف الأمر بالنسبة للبطالة ، حيث يتركز الضرر على العاطلين والمحيطين بهم. كما تنال ظاهرة التضخم من هيبة الحكومات وتعكس عجزها عن إيجاد الحلول الناجعة لمعالجة هذه الآفة. وعليه لا مناص للسلطات من محاربة جميع أشكال التضخم حفاظا على مصالح جميع أفراد المجتمع والحكومة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي