الدراسة
تجاه الثوابت الأخلاقية العامة التي يشترك فيها كل البشر، وتتشاركها كل الأديان، وتقرها كل الحضارات لا أحد يمتلك مشروعية أن يكون محايدا تجاهها، الكل يقترن بتأييدها، ويقرن تحقيقها بالمصلحة العامة، وكل جهد إنساني لزيادة هذه الثوابت سواء كان مستقى من خبرات حياتية تعاقبت، أو مستلهما من تعاليم دينية رسخت في الوجدان يعد جميلا نبيلا خاصة إذا تعلق بحياة الإنسان وسلامته وأمانه العام والخاص.
عودة الصغار إلى الدراسة الحضورية ليس مشهدا عابرا في قصة الجائحة، إنه مشهد سعودي مميز، مشهد الانتقال من الخوف والإحباط إلى الأمان والطمأنينة، مشهد رسمته الحكومة ولونه الناس، واستمتع الجميع برؤيته وسعدوا واستفادوا من دروس كثيرة.
ارتكز المشهد على إجابة الحكومة العملية عن كل علامات الاستفهام التي توقف الرأي العام محليا وعالميا عندها، إجابة شافية كافية للعقل مع استثناءات معروفة لفئة قليلة العدد توارى بعضها أثناء المعركة، المعركة مع الجائحة، توارى خلف الإشاعة والخرافة ونظريات تنافي العلم والمنطق.
وصغارنا يتعلمون دروسهم حضوريا، نحتاج نحن إلى توثيق درسنا الكبير حتى يتم استيعاب الدرس تماما، لا بد من دراسة، لا بد من دراسات، محكمة وعلمية، ومعمقة لما حدث، وكيف حدث، وتفكيك كل ما يتعلق بالجائحة، ولا بد من أعمال وثائقية، وأعمال غير رسمية تتناولها فنون الإبداع.
قيل إنه "من جمال الحياة أن الله يبعث في طريقك ما يوقظك بين الحين والآخر، أنت الذي ظننت لوقت طويل أنك مستيقظ"، وهو قول منسوب لجلال الدين الرومي، وما ينسب له كثير، ولعل هذا القول ينطبق على الإنسانية جمعاء في هذه الجائحة فقد كانت العبر كبيرة، وما يجدر التأمل فيه ومراجعته كثير وغزير.
نسأل الله العافية، ولكن ربما بعد أعوام تأتي جائحة أخرى، وستكون الأحداث حينها أكثر تسارعا، وإذا أحسنا رصد وتوثيق ونقد مرحلتنا الحالية، وبنينا أسئلتنا على أسس صحيحة وأفكار متماسكة، ستكون مقاومتنا دائما أقوى وأفضل، وسيكون تأثرنا أقل.
في منظمات الصحة الإقليمية والعالمية هناك فرق بين انحسار الوباء، وبين القضاء عليه، الأمر نفسه ينطبق على الفيروسات التي أصابت وتصيب العقل، أصابت وتصيب الأخلاق، وقد كنا ولله الحمد أعقل من تعامل مع الوضع، والأكثر أخلاقية.
لعودة الصغار إجمالا بهجة مختلفة، تصبح الشوارع ملونة، والأرصفة مزهرة، والأشجار راقصة، ومباني المدارس عامرة بالأحلام وقصص الشغب وتشكل الذوات، أما الصغيرات تحديدا فالقصة تخلب الألباب.
الدراسة، دراسة أي شيء، فعل لا منتهي.