الاستهلاك المشترك
هل لاحظت أن في السوق ما يمكن تسميته "الإيحاء برأي الأغلبية"؟ دعنا نتذكر معا، أنا وأنت نذهب إلى المطعم أو المقهى ونسأل عن "الأكثر شعبية"!، وفي الأغلب ستتلقى إجابة أو أكثر، ولكن ما الذي يضمن أن الموظف يقول لك الحقيقة؟ وما الذي يضمن أن أذواق من اشتروا قبلك جيدة؟ لا شيء سوى أن كثيرين يحبون اتخاذ القرار "الآمن".
تدخل المحل تبحث عن سلعة، سلعة تشتريها لأول مرة، أو لم تشترها منذ فترة طويلة، تجد البائع يوجهك بعبارات مثل "أغلب الناس تشتري هذا النوع" أو "هذا ممتاز بس كان مقطوع ورجع"، وليس بالضرورة أن ما يوجهك إليه هو الأغلى لكن في الأغلب يكون هو الأكثر ربحية، أو هو الذي له وكيل يقدم حوافز مالية أو عينية وفي حالات معينة يكون هو الصنف "الناشب في حلقه".
كثير من الشركات فطنت إلى أن الناس باتت تراجع الإنترنت أو مواقع التسوق لرؤية المراجعات والتعليقات أو التقييمات التي يقدمها الجمهور، فأصبحت هي من تنشر آراء مختلفة لكنها تتفق على ترويجها، أو تتعاقد مع من ينشر مثل هذه الآراء، وهي صناعة تنمو مع نمو الظاهرة.
كم مرة وجدت تعليقات مميزة على مكان ثم اكتشفت أنه حتى دون المتوسط، أو على سلعة ثم وجدتها أقل من عادية، تذكر، ستجد أن ذلك حدث لك غير مرة، فهل تساءلت لماذا؟
إن تشتري شيئا لأن الجميع اشتراه، أو تطلب الطبق الذي انتشر أكثر، فإن ذلك قد يعني أن ما تفعل نتاج لنقص الخيال، أو حس المغامرة والتجريب، أو دعني أقول إنه شكل من عدم الاستقلالية، لا تقلق إنها أمور فطرية طبيعية فالإنسان كائن اجتماعي، وهو يحب أن يكون ضمن مجموعة، والأمثال الشعبية تخبرك عن هذا السلوك وهذه الثقافة بعمق وبساطة.
يفقد البشر يوما بعد يوم هيبة سماتهم الشخصية المتعلقة بقراراتهم الاستهلاكية، هذا ليس وليد لحظة، إنه نتاج مراحل من التسويق والاتصال وتشابك المصالح.
ربما يكون الأمر أسهل من ذلك، وكل هذا محض مصادفات أو تراكم عادات، وربما يكون هذا التعقيد محض أفكار لمستهلك حدث أنه تأمل، وقرأ، وحاول استقراء مشاهد يعيشها أو يراها أو يسمع عنها، لكن في النهاية هناك محددات جديدة للاستهلاك في العالم، العالم الذي لم يعد فقط مكانا نتشارك العيش فيه، لكنه يشبه ـ في مخيلتي ـ عالما استهلاكيا مشتركا.. بفعل فاعل.