تحقيق أهداف المنشآت يرتكز على الاهتمام ببيئة العمل ورضا الموظفين
يسلم مساء اليوم الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز رئيس مجلس إدارة المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق، جائزة "الاقتصادية" لأفضل بيئة عمل سعودية لعام 2008 التي فاز بها عشرون منشأة.
وتهدف الجائزة التي أطلقتها "الاقتصادية" في 2007، إلى تقييم بيئة العمل في الشركات العاملة في السعودية من خلال تسليط الضوء على المنشآت الرائدة في بناء وتقديم أفضل بيئات العمل لموظفيها، كما تهدف إلى تحديد أفضل الممارسات في الموارد البشرية وإيجاد بيئة تنافسية بين الشركات لتحسين بيئة العمل فيما بينها.
وأوضح خبراء ومختصون في مجال تنمية الموارد البشرية أن بيئة العمل المثالية التي يحرص الموظفون على العمل فيها هي المكان المهيأ والصحي والتي تحوي سياسات تحفز التطوير الوظيفي، وشددوا على ضرورة أن تعنى بيئة العمل في المنشآت السعودية بالمناخ التنظيمي والثقافة التنظيمية والبيئة التقنية التي تمارسها الشركات والمؤسسات لتحقيق أهدافها.
وقالوا في حوار مع "الاقتصادية" إن التنوع في الأهداف والمهام في المنشآت يؤدي إلى تنوع البيئات الإدارية للشركات والمؤسسات وتتفاوت فيما بينها. وإن جميع هذه البيئات لها قواسم مشتركة تتمثل في الموارد البشرية (الإنسانية) التي تديرها وتعمل بها، كما أنها جميعا تخضع لأنظمة وسياسات عمل.
ويرى الخبراء أن لدى وزارة التجارة والصناعة والوزارات الأخرى ذات العلاقة ومجالس الغرف التجارية في المملكة العديد من الأنظمة والتشريعات المساعدة لدعم ومراقبة أداء هذه الشركات، غير أن الحاجة ماسة إلى تحديث هذه الأنظمة والتشريعات بين وقت وآخر لتتلاءم مع التغيرات والتوترات العالمية في بيئات الأعمال.
ما المقصود ببيئة العمل من الناحية العملية ؟ وهل هناك إطار متعارف عليه يحدد هذه البيئة ؟
يقول الدكتور نواف الحسيني استشاري موارد بشرية:" يستخدم مصطلح بيئة العمل للتعبير عن كل ما يحيط بالموظف أثناء قيامه بعمله، خاصة تلك العناصر التي تؤثر في أداء الموظف وروحه المعنوية"، ويضيف :" على الرغم أنه كان التركيز في بدايات استخدام هذا المصطلح على الجوانب المكانية والصحية (من مساحة وتهوية وإضاءة وإزعاج وخطر إصابات)، فقد توسع استخدام هذا المفهوم ليشمل العلاقات مع الزملاء والرئيس والمرؤوسين وفرص التعلم والتطور الوظيفي وأسلوب قيادة الإدارة العليا والثقافة الداخلية ونظام الحوافز وعناصر تنظيمية أخرى، بقدر تأثيرها على الروح المعنوية للموظف".
ويقول الحسيني:" من المنطقي أن معظم الموظفين يريدون مكان عمل صحي وعلاقات إنسانية جيدة وسياسات تحفز التطور الوظيفي، إلا أن الناس تختلف في أولوياتها فيما يتعلق ببيئة العمل الإيجابية. مثلا، لدى بعض الناس حساسية مفرطة لتصرفات الرئيس ولذا نجد تقييم هؤلاء الأشخاص لبيئة العمل تعتمد على شخصية الرئيس، أكثر من عناصر بيئة العمل الأخرى، وفي المقابل، هناك موظفون يضعون في أعلى أولوياتهم لبيئة العمل الإيجابية توافر الأجهزة التي تساعدهم على أداء عملهم بسهولة وإتقان, أو وفرة البرامج التدريبية وفرص التعلم."
لذا، والحديث للدكتور الحسيني:" من المهم عند التعرف على بيئة العمل عن طريق استطلاع الموظفين الطلب من الموظف تحديد أهمية كل عنصر من عناصر بيئة العمل وربط ذلك بالخصائص الديموغرافية حتى يتسنى للإدارة أن تركز على الجوانب المهمة لموظفيها أو تلك المناسبة لثقافة البلد".
#2#
ويرى الدكتور ناصر العديلي رئيس آفاق الإبداع والجودة أن بيئة الأعمال يجب أن تعنى بالمناخ التنظيمي والثقافة التنظيمية والبيئة التقنية التي تمارسها الشركات والمؤسسات لتحقيق أهدافها، وتعتبر البيئة التنظيمية وما تتكون منه من موارد بشرية وعلاقات عمل وأنظمة وتشريعات واستراتيجيات وقيم وثقافة تنظيمية وسياسات وخطط وعمليات وإجراءات عمل وتقنيات هي المكونات الأساسية لأعمال الشركات والمؤسسات، ومن خلال تفاعلها ونجاحها في أداء مهامها، وما يترتب عليها من رضا العاملين والمستفيدين، وما تحققه من أهداف وأرباح وما تقدمه من خدمات أو منتجات للمستفيدين وللمجتمع بشكل عام، وما تقدمه كمسؤولية اجتماعية، جميعها تشكل هذه البيئة للشركة أو المنشأة.
#3#
أما عبد الله البكر رئيس مركز الدراسات والتنمية الإدارية MSD فيوضح أن بيئة العمل هي المكان الذي يمارس فيه الشخص نشاطه الوظيفي وما يحتوي عليه من مقاعد ووسائل الأمان والتكييف والألوان وغيرها. وقد توسع هذا المفهوم ليشمل عناصر تؤثر في مدى ارتياح الموظف أو العامل في عمله مثل عنصر الإدارة ومدى حرصها على الموظف وتحفيزه وتدريبه ومنحه الصلاحيات التي تجعله غير مقيد، إضافة إلى تكليف الموظف في المقام الأول بأعمال لديه المقدرة على القيام بها وفي ساعات معقولة في اليوم أو في الأسبوع. ويقول البكر:" أصبحت العلاقات الإنسانية داخل مكان العمل من أهم العناصر التي تؤخذ في الاعتبار عند تقييم بيئة العمل. لأن الموظف الذي يعمل في فريق عمل منسجم تسوده علاقات جيدة يشعر بالارتياح والانتماء لمجموعته والمنشأة التي يعمل بها".
تتفاوت أحوال بيئات العمل في المملكة، فهل توجد تشريعات أو أنظمة تحكم هذه الأحوال ؟ وهل ترون ضرورة سن قوانين لهذه البيئات ؟
#4#
يقول الدكتور نواف الحسيني:" بالنظر إلى شمولية مفهوم بيئة العمل، هناك الكثير من التشريعات القائمة مثلا، (نظام العمل ومواصفات المباني)، ذات العلاقة المباشرة. وحبذا لو تواجدت جهات مستقلة لتقديم بيئة العمل، خاصة المتعلق منها بالصحة الجسدية والمعنوية، وقد تؤدي مثل هذه الدراسات إلى سن تشريعات جديدة".
ويشير العديلي أن التفاوت لدى بيئات العمل في المملكة مثل غيرها من دول العالم، وذلك لأن طبيعة الأعمال نفسها تختلف وتتنوع حسب أهداف ومهام ونشاطات وعمليات كل شركة أو مؤسسة، فهناك شركات خدمات وهناك شركات منتجات، ويقول:" هناك شركات تقنية وهناك شركات ومصانع منتجات تلبي احتياجات المستفيدين كالصناعات الزراعية والتعليمية والغذائية، وهناك شركات الأسمنت والحديد والمنتجات الأخرى، كما أن هناك تقدما في الخدمات الاستشارية والتدريبية، وهناك شركات إعلامية وشركات برامج تقنية أو شركات صيانة أو منتجات طبية أو منتجات إلكترونية وهكذا".
#5#
ويقول العديلي:" نتيجة لهذا التنوع في الأهداف والمهام تتنوع البيئات الإدارية للشركات والمؤسسات وتتفاوت فيما بينها. لكن الجميل في الموضوع أن جميع هذه البيئات لها قواسم مشتركة تتمثل في الموارد البشرية(الإنسانية) التي تديرها وتعمل بها، كما أنها جميعا تخضع لأنظمة وسياسات عمل، وتتشابه في تكوينها التنظيمي من حيث الهياكل والعمليات والإجراءات وخطوات ومراحل العمل، بالرغم من اختلاف مدخلاتها".
وشدد على ضرورة التأكد من تطبيق الأنظمة والسياسات الخاصة بهذه الشركات مثل أنظمة السلامة والأمن وأنظمة الجودة والبيئة، وجودة خدمات المستفيدين وضبط الأجور، ونظم الحوافز والمزايا وغيرها من الأنظمة المساعدة.
ويرى ناصر العديلي أن لدى وزارة التجارة والصناعة والوزارات الأخرى ذات العلاقة ومجالس الغرف التجارية في المملكة عديدا من الأنظمة والتشريعات المساعدة لدعم ومراقبة أداء هذه الشركات، غير أننا في حاجة إلى تحديث هذه الأنظمة والتشريعات بين وقت وآخر لتتلاءم مع التغيرات والتوترات العالمية في بيئات الأعمال خصوصا في ظل تطور المعايير العالمية في مجال الجودة ونظم الآيزو الإدارية والبيئة ونظم الأمن والسلامة.
#6#
أما عبد الله البكر فيؤكد أنه لا توجد تشريعات خاصة ببيئة العمل في المملكة، وقال:" توجد قواعد في نظام العمل يؤدي تطبيقها لحفظ حقوق الموظف مما يحقق له الرضا، كذلك فإنها تنظم العلاقة بين الموظف وصاحب العمل أو المدير وتهدف إلى عدم حدوث أضرار بالموظف".
وفيما يتعلق بسن القوانين لهذه البيئات يقول البكر:" لست ممن يؤيد سن القوانين الحكومية التي تتحول مع الزمن إلى وسيلة للنفوذ والتحكم في أعمال الناس التجارية، ولكني أدعو إلى الاهتمام بالتنمية الإدارية التي تهدف إلى ممارسة قواعد تؤدي إلى خلق بيئة عمل مريحة ومناسبة وينتج عنها الرضا بل الولاء الوظيفي".
بدأت المنشآت السعودية أخيرا الاهتمام بتحسين بيئة العمل، فما الفائدة المرجوة من هذه الجائزة على مستوى المنشآت المشاركة ؟
يؤكد الحسيني:" إن من شأن هذه البرامج القيمة تحفيز ملاك وإدارات الشركات والمؤسسات على الاهتمام الجاد ببيئة العمل وتهيئة المناخ المناسب للموظفين لتوظيف مهاراتهم ومكتسباتهم المعرفية في إنجاز أعمالهم وبالتالي رفع القدرات التنافسية للشركات السعودية".
أما العديلي فيبين أن الشركات السعودية كغيرها من الشركات العالمية حريصة على التطوير والتغيير لتتواكب مع التطورات الحديثة والمنافسة العالمية خصوصا مع دخول المملكة عضوية التجارة الدولية، والتنافسية الدولية، ومع ظهور معايير عالمية جديدة مثل معايير الجودة وإدارة نظم الجودة الآيزو 9001 - 2000 و2008 كذلك في وجود جوائز حديثة مثل جائزة أفضل بيئة إدارية، وجائزة الملك عبد العزيز للجودة، والجوائز العالمية الأخرى.
وأثنى البكر على مبادرة "الاقتصادية" التي بدأت بفكرة الجائزة، وقال إن "الاقتصادية" هي منبر متقدم لنشر الفكر الاقتصادي والإداري الرائد والمسؤول الذي يهدف إلى المساهمة النشطة والواعية في إطار الجهود التي تبذل من أجل التنمية الوطنية. وقال:" إن مبادرة "الاقتصادية" وتخصيصها جائزة تقدم للمنشأة التي توجد فيها أفضل بيئة عمل سوف يدفعان بالشركات والبنوك لأن تفكر على الأقل في تقييم بيئات العمل لديها، وأعتقد أن الشركات ذات الإدارات الواعية سوف تعمل على تحسين بيئات عملها ومعاملة الموظف على أنه العنصر الأكثر أهمية في المنشأة، فهو يمثل رأس المال العقلي والإنساني".
كيف تسهم الجائزة في خلق بيئة تنافسية بين الشركات لتحسين بيئة العمل؟
يوضح الحسيني أن كل شركة لابد أن تحاول أن تحظى بمركز متقدم لما في ذلك من تأثير إيجابي في العلامة التجارية والسمعة واستقطاب الموظفين والحفاظ عليهم.
أما العديلي فيعتقد أن جائزة أفضل بيئة عمل تعد من أفضل الجوائز الحديثة في المملكة والتي جاءت في الوقت المناسب لتحفز الشركات والمؤسسات السعودية على التنافس والتطور والتغيير إلى الأفضل خصوصا أنها سنوية وتتبنى معايير مهمة ومبسطة وتركز على رضا العاملين والمستفيدين ومواردها البشرية بصفتها أهم عناصر الشركات لإتاحة الفرصة للشركات السعودية للاهتمام بتطوير ذاتها وموظفيها وبيئات أعمالها والتنافس للحصول على هذه الجائزة المهمة في بيئة الأعمال الحديثة.
أما البكر فيرى أنه إذا علم أكبر عدد من المنشآت بالجائزة وأدركت إداراتها أهمية بيئة العمل لتحقيق السمعة والربحية ورضا الموظفين، فإن المنافسة سوف تزيد. وشدد البكر على أهمية بذل جهود كبيرة للتعريف بالجائزة وفائدة بيئة العمل الجيدة ومردودها على أصحاب العمل والشركات والبنوك.
كيف تقيمون الأوضاع العامة لبيئة العمل في المملكة مقارنة بالدول الأخرى؟
يقول الحسيني:" مقارنة بشركات غربية رائدة في هذا المجال لا يزال الطريق طويلاً على المستوى المعماري والتجهيزات وأيضا على مستوى العلاقات الإنسانية وثقافة العمل، وهناك ممارسات محلية ناجحة وتحظى بالتقدير".
أما الدكتور ناصر العديلي فيقول:" إن الشركات والمؤسسات السعودية تأتي في أربع فئات، الفئة الأولى هي الشركات المتميزة والتي لا تختلف عن غيرها من شركات العالم، وتأتي في مقدمتها شركتا أرامكو وسابك، وهناك الفئة الثانية والتي تسعى إلى التطور وتبذل جهوداً لتحقق العالمية مثل الشركة السعودية للكهرباء وشركة الاتصالات، وموبايلي، والبنوك السعودية والكثير من الشركات السعودية في قائمة المائة شركة سعودية، وهناك الفئة الثالثة وهي الشركات التي تعاني من بعض المشكلات التنظيمية والتقنية، وهي شركات متعثرة وهي كثيرة ولكنها تحاول التطور وعندها فرصة للتطور إذا وفقت بإدارات ووضعت لها استراتيجيات ورؤية جديدة، أما الفئة الرابعة فهي الشركات الخاسرة والتي خرج بعضها من السوق والبعض الآخر ينتظر دوره في الخروج وهي للأسف كثيرة وميئوس من شفائها على المدى القريب والبعيد، وأغلبها شركات أشخاص أو شركات تراكمت عليها وأثقلتها المشكلات المادية والإدارية".
ويشير عبد الله البكر أنه من الصعب أعطاء حكم عام على الشركات، ويقول:" توجد الكثير من الجهات الحكومية التي لا تهتم كثيرا لا ببيئة العمل ولا بتطبيق مبادئ الإدارة الحديثة، أما في القطاع الخاص فأعتقد أن بيئات العمل تلبي المطالب الأساسية".
ما الجهات التي تساهم في تحسين بيئة العمل في المملكة، وما الدور المتوقع منها ؟
يقول الحسيني:" تقوم الجمعيات المهنية الهندسية بدراسات وإعداد إرشادات لتصميم بيئة عمل صحية بأقل التكاليف، أما المؤسسات الصحية فتنشر الوعي بين ملاك الشركات والمديرين عن أهمية بيئة العمل الصحية، وتقوم الجمعيات الإدارية والجامعات والمعاهد الإدارية بإعداد دراسات وإرشادات عملية عن علاقات العمل في ظل الثقافة المحلية".
ويوضح العديلي أن وزارة التجارة والصناعة في مقدمة هذه الجهات بصفتها الوزارة المسؤولة عن التنظيمات والتشريعات للشركات ثم وزارة العمل بصفتها الجهة المسؤولة عن توظيف القوى العاملة وضبط الأجور والحوافز للعاملين، ثم تأتي الهيئات والمؤسسات الأخرى كهيئة الاستثمار ومجالس الغرف السعودية والغرف التجارية السعودية في كل منطقة.
وشدد العديلي على أهمية الجمعيات الاحترافية كجمعيات الإدارة وجمعيات الهندسة، وبيوت ومكاتب الخبرة الاستشارية، ومعاهد ومراكز التدريب والاستشارات، التي يمكنها أن تساهم في دراسة وتطوير أداء الشركات السعودية.
أما البكر فيرى أنه من الممكن أن يلعب الإعلام والجامعات وكثير من المؤسسات الحكومية كوزارة الاقتصاد والتجارة والعمل والبلديات وكذلك الشركات الكبيرة والبنوك دورا مهما، ليس في تحسين بيئة العمل فحسب، بل في إيجاد مفهوم الاهتمام بالقوى البشرية وإزالة العقبات التي تؤثر في إنتاجية الفرد والمشكلات التي تعوقها من أن يقدم أفضل ما لديه من جهود عقلية وجسمانية.
ويوجه الدكتور ناصر العديلي في ختام حديثه بقوله:" إننا في عصر التنافس والعولمة فلا بد من السعي نحو الإبداع والجودة والتميز، وعلينا أن نبدأ بخطوات بسيطة وجادة وهي الاستفادة من شروط ومعايير جائزة أفضل بيئة عمل سعودية".
ويقول الحسيني أن اشتراك المنشآت في مثل هذه الجوائز يعكس اهتمام الإدارة الجدي بأحد أهم عناصر النجاح في اقتصاديات المعرفة.