بين كل عامين

تمر الأعوام سريعا على الآمنين المطمئنين، وتمر أسرع على السعداء، أدام الله عليهم، وهي بطيئة جدا على المرضى شفاهم الله جميعا، والمكلومين، والمحرومين، فكان الله في عونهم جميعا، ورفع عنهم الغمة.
تصبح الأعوام أكثر صخبا، العامان، الماضي والذي بدأ للتو يؤكدان ذلك، فالعالم كله ترتفع فيه وتيرة صخب الجائحة، وما بين ثناياها من مؤشرات تمس جميع مناحي الحياة، ستزول، لن تزول، ستتفاقم، ستتراجع، وكل قرارات الدول والأفراد تتأرجح بين يقين الحدس، والشك في المعلومات، بين جناحي التفاؤل والتشاؤم، وفي بعض الأحيان بين دفتي الاهتمام واللامبالاة.
نحن الأفراد يفكر البعض منا في استعراض عامه الذي مضى، والبعض في عامه الذي سيأتي، وأحسب أن التفكير عند الفرد المسلم ينحى إلى مراجعة النفس دينيا وروحيا أولا، ثم يتجه التفكير إلى المستقبل والإنجازات والاقتصاد والأحلام، وما تحقق منها، وما لم يتحقق، ويبقى سؤال الحالتين هو: لماذا تحقق هذا، وأخفق ذاك؟
توقن أن ما نرغب تحقيقه يهدأ شغبه في العقل، وشغفه في القلب كلما تقدمنا في العمر، إما لزهد فيه وفوات وقت الاستمتاع به، وإما لتأكد العجز المالي أو الجسدي أو النفسي عن تحقيقه، لكن المقابل كما يبدو لمن يصل للنضج يبدو أعمق وأجمل، فالنفس تتجه بأحلامها إلى السكينة، وتقليل نسبة التعرض للصخب الذي يسود العالم من حولها، والروح تروم التحليق في سماوات كثيرة، والقناعة تزداد بأهمية الأشياء الحقيقية والجوهرية في الحياة، أو بعبارة يفهمها أهل "الرشد" تزداد أهمية، ما يجعل الحياة.. حياة.
تقرأ الجردة السنوية للأحداث، تجدك لا تتوقف كثيرا عند ما كان مؤلما، أو مبهرا، أو غريبا في حينه، إنها مجرد صور وأحداث عابرة للذاكرة، التي لم تعد تحتمل عبء هذا الكم من اللاإنسانية في بعض الأحداث، أو ذلك الحزن الذي لا ينجلي عن ضعاف كثير من حولنا.
تنظر حولك، تتأمل في كل كبير ومهم وعميق لبلدك وأسرتك وذاتك، تحفه بأمنياتك، وكثير من ثقتك، وبعض من مخاوفك، هذا ما يحدث غالبا لمن تعلم درس عدم الإفراط في توقعات المستقبل، وعدم إضاعة الجهد النفسي والروحي في الحسرة على ما فات في العام الذي انقضى.
العام الجديد، الذي انقضى أسبوعه الأول، ربما يحمل نذرا كثيرة، وربما يحمل بشائر أكثر، في الحقيقة نحن جميعا لا نعلم يقينا أي أمر سيحدثه الله، لكننا نوقن أنه سبحانه رحيم لطيف بعباده.
اللهم اجعله عاما جميلا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي