8.1 مليار ريال طلبات على الإصدار السعودي الأخير من الصكوك الادخارية .. التغطية 19 ضعفا
تلقى الإصدار الشهري الحديث من الصكوك الادخارية لحكومة السعودية، الذي تجري تسويته اليوم الخميس، طلبات تقترب من 8.13 مليار ريال، وذلك وفقا لوثيقة رسمية خاصة بالإصدار السيادي.
وأظهرت الوثيقة التي حصلت "الاقتصادية" عليها، أن الرياض أصدرت صكوكا "ثنائية الشريحة" متوسطة وطويلة الأجل، وراوحت عوائدها حتى تاريخ الاستحقاق، ما بين 2.55 في المائة لشريحة الصكوك الثمانية إلى 2.75 في المائة للصكوك العشرية.
ووفقا لرصد وحدة التقارير في "الاقتصادية"، جرى تغطية الإصدار بأكثر من 19 مرة للمبلغ الأصلي المطلوب، إذ وصلت أحجام الطلبات إلى 8.139 مليار ريال مقارنة بحجم الإصدار الفعلي البالغ 415 مليون ريال.
وكشف الإصدار الشهري لحكومة المملكة عن ازدياد اهتمام المستثمرين نحو الحصول على الصكوك ذات الأجل المتوسط وذلك في ظل بيئة الفائدة المتدنية بالسوق المحلية.
وجذبت شريحة الأعوام الثمانية إجمالي حجم طلبات اكتتاب وصل إلى 5.78 مليار ريال، إذ تمت تغطية هذه الشريحة بأكثر من 28 ضعف المبلغ الأصلي لقيمة الإصدار الذي حددته جهة الإصدار السيادية عند 200 مليون ريال.
وانعكس إقبال المستثمرين على إصدار الحكومة السعودية على الجوانب التسعيرية للمزاد الخاص بالصكوك الادخارية، وذلك بعدما دفعت الرياض تكاليف اقتراض متدنية، على نطاق المعدل المتوسط، خلال المزاد.
وعلمت "الاقتصادية" أن بعض المستثمرين اضطروا إلى أن يغيروا سياستهم التسعيرية خلال تقديم طلبات الاستثمار بأدوات الدخل الثابتة.
وبدلا من أن يكتتبوا عند السقف الأعلى لمعدل العائد لكل شريحة، اضطروا بدلا من ذلك أن يضعوا طلباتهم عند المستويات المتوسطة لأسقف معدلات العائد الخاصة بالشريحتين، وذلك من أجل أن يضمنوا حصولهم على التخصيص المطلوب، بسبب محدودية حجم الإصدار، ونظرا لارتفاع المنافسة بين المستثمرين المؤسسيين للحصول على جزء من هذه الأوراق المالية.
ويأتي عدم تلبية جميع طلبات المستثمرين لتنوع قنوات وخيارات التمويل المتوافرة لجهة الإصدار السيادية، فضلا عن عمليات الاستدانة السابقة التي تمت هذا العام وفقا لما هو مخطط له سابقا.
وكشف تحليل الجانب التسعيري للإصدار المحلي من قبل الصحيفة عن انتهاج المركز الوطني لإدارة الدين، بالنيابة عن وزارة المالية، سياسة تسعيرية جريئة ومتشددة مكنته بنهاية المطاف من ضغط الهوامش الائتمانية للشرائح الثنائية لينعكس الأمر بشكل إيجابي على خزينة الدولة عبر تحقيق ما يصفه المتخصصون بأسواق الدخل الثابت توفيرا في تكلفة التمويل.
التمويل المسبق
ويأتي الإصدار السعودي في وقت تقوم فيه بعض الحكومات حول العالم بتطبيق منهجية التمويل المسبق (الاستباقي لموازنة العام المقبل) عبر الاستدانة من الأسواق حال توافر الفرص التسعيرية المناسبة وذلك على الرغم من اكتمال خطط الاقتراض السنوية.
إضافة إلى ذلك، فإن الدول ذات التصنيف الائتماني المرتفع تتمتع بميزة خيار الاستدانة السريعة من الأسواق وذلك بغرض تسريع تنفيذ بعض المشاريع المجدولة للأعوام المقبلة، بما في ذلك مشاريع البنية التحتية.
على الجانب الآخر توفر الاستدانة حال وجود الفرصة المناسبة من السوق، بأن تقوم الجهات السيادية بزيادة رصيد الاحتياطيات الحكومية أو تغطية عجز ما بالميزانية.
وتطرقت "الاقتصادية" إلى منهجية التمويل المسبق في التحليل الذي نشرته في 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، وأشارت حينها إلى أن التذبذب الجاري مع عوائد سندات الخزينة الأمريكية جعل العاملين في أسواق الدخل الثابت أن يقدموا مشورة لعملائهم الذين لديهم احتياجات تمويلية خلال النصف الأول من العام المقبل، بأن يستدينوا خلال الفترة الحالية عبر ما يعرف بمنهجية التمويل المسبق، بدلا من الانتظار حتى العام المقبل، ويتم العمل باستراتيجية التمويل المسبق في حال توقع حدوث تغير ائتماني.
الطرح المحلي
وذكرت وزارة المالية في بيان أن المركز الوطني لإدارة الدين، انتهى من استقبال طلبات المستثمرين على إصداره المحلي في كانون الأول (ديسمبر) 2021 تحت برنامج صكوك حكومة المملكة بالريال، حيث تم تحديد حجم الإصدار بمبلغ 415 مليون ريال.
وقسمت الإصدارات إلى شريحتين الأولى تبلغ 200 مليون ريال لصكوك تستحق في 2029، وبلغت الشريحة الثانية 215 مليون ريال لصكوك تستحق في 2031.
مزاد دون إصدار
وأجرت السعودية في كانون الأول (ديسمبر) 2020 مزادا على الصكوك الإدخارية واستقبلت حينها ثالث أضخم طلبات استثمار بالإصدار السيادي في ذلك العام، إلا أن جهة الإصدار السيادية ارتأت عدم التخصيص للمستثمرين، ويعد ذلك أمرا طبيعيا ومتعارفا عليه بالسوق المالية.
وأفادت مصادر حكومية لـ"الاقتصادية" في ذلك الوقت، بأن البنك المركزي السعودي (ساما) على سبيل المثال يطرح بشكل أسبوعي أذونات الخزينة ولا يتم أحيانا أي تخصيص للطلبات، وهذا أمر متعارف عليه بالسوق.
وعلمت الصحيفة حينها، أن الهدف من إجراء المزاد من دون تخصيص يكمن بتحديث المركز الوطني لإدارة الدين للنطاقات التسعيرية الخاصة بمنحنى العائد للحكومة السعودية المقوم بالريال والخالي من المخاطر والذي يعد مرجعا تسعيريا للجهات المصدرة بالقطاعين العام والخاص.
ويقصد بمعدل العائد الخالي من المخاطر تلك الورقة المالية التي تصدرها جهة سيادية بسوقها المحلية وتكون قادرة على سداد ما عليها من التزامات تجاه حاملي تلك السندات والصكوك.
وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، أقامت السعودية مزادا على صكوك ذات أجل ثمانية أعوام، ولم يتم تخصيص أي صكوك لتلك الشريحة.
ومعلوم أنه ليس من المعتاد تلبية جميع طلبات المستثمرين ويرجع ذلك لتنوع قنوات وخيارات التمويل المتوافرة لجهة الإصدار السيادية، فضلا عن عمليات الاستدانة السابقة.
توزيع فترات خدمة الدين
ودائما ما يولي "المركز الوطني لإدارة الدين" أهمية بارزة لمسألة اختيار آجال الاستحقاق المناسبة مع الطروحات الجديدة، ويرجع سبب ذلك من أجل توزيع استحقاقات المديونية (خدمة الدين) وتجنب تمركزها في أعوام محددة.
ويسهم توزيع فترات خدمة الدين (عبر عدد طويل من الأعوام) بطريقة لا تتسبب في إحداث ضغط على خزينة الدولة عندما يحين أجل سداد عدد ضخم من أدوات الدين خلال عام مالي معين.
ومعلوم أن من مكتسبات أسواق الدين السعودية في 2019 كان تمكن المركز الوطني لإدارة الدين، بالنيابة عن وزارة المالية، من تمديد آجال استحقاقات الصكوك في السوق المحلية عبر إصدارات جديدة تشمل 12 و 15 و 30 عاما، وذلك لاستكمال منحنى العائد خالي المخاطر، ما يسهم في دعم مختلف الأسواق شاملة أسواق الدين العقارية.
وفي ظل انخفاض أسعار الفائدة بالسوق المحلية، أصبح التشبث بالإصدارات الطويلة الأجل جزءا من السياسة الاستثمارية لبعض المستثمرين، وتجلى ذلك من عمليات التخصيص الشهرية التي تميل كفتها نحو الاستحقاقات الطويلة الأجل.
وقدم "المركز الوطني لإدارة الدين العام" تلك الآجال الطويلة للمرة الأولى في 2019 بغرض إطالة منحنى العائد الخاص بالإصدارات الحكومية المقومة بالريال وكذلك لغرض تنويع خيارات مستثمري الدخل الثابت بالمملكة.
تراجع متوقع للدين العام وتستهدف السعودية استقرار الدين العام خلال الأعوام الثلاثة المقبلة بدءا من ميزانية 2022، وذلك استكمالا لجهود الحكومة في تعزيز كفاءة الإنفاق وتحقيق مستهدفات الانضباط المالي.
وبحسب رصد "الاقتصادية"، استند إلى بيانات وزارة المالية، فإن الوزارة تتوقع بلوغ الدين العام نحو 938 مليار ريال في ميزانية 2022، مقارنة بدين 938 مليارا متوقع في ميزانية 2021، وذلك كنتيجة لتحقيق فوائض مالية في ميزانية 2022.
وبذلك يتراجع معدل الدين للناتج المحلي للعام الثاني على التوالي، حيث من المتوقع بلوغه 25.9 في المائة في ميزانية 2022 بعدما بلغ 29.2 في المائة كما في الميزانية الفعلية في 2021، وذلك يعود إلى توقعات بنمو الناتج المحلي.
وتوقعت وزارة المالية أن يستقر حجم الدين العام لميزانية 2022 و2023 و2024 عند 938 مليار ريال، مقارنة بتقديرات سابقة عند 989 مليار ريال للأعوام الثلاثة.
في حين سجل الدين ارتفاعا بنحو 9.8 في المائة في 2021 بحسب الأرقام الفعلية للميزانية، وهي أقل معدلات النمو في آخر سبعة أعوام.
ويأتي استقرار الدين للأعوام الثلاثة المقبلة بعد نموه ولسبعة أعوام متتالية، أي منذ 2015، حيث سجل حينها أول ارتفاع بعد عدة أعوام عاشتها الميزانية في تقليص الدين العام.
وتهدف السياسة المالية في السعودية إلى تحقيق التوازن بين أهداف الحفاظ على الاستقرار المالي وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام ومساندة مرحلة التحول الاقتصادي والاجتماعي التي تمر بها السعودية، وفقا لرؤية السعودية 2030.
وتستهدف الحكومة السعودية خلال العام المالي 2022 استكمال مسيرة الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي أجرتها منذ رؤية السعودية 2030.
في حين يستمر تطوير المالية العامة من خلال تحقيق أهداف برنامج الاستدامة المالية الذي يسعى إلى استكمال العمل على المبادرات التي بدأها برنامج تحقيق التوازن المالي، إضافة إلى تبني السياسات المالية التي تسهم في تحقيق الاستقرار في ميزانية الدولة ورفع جودة التخطيط.
كما تستمر جهود الحكومة في رفع كفاءة الإنفاق وتعزيز دور القطاع الخاص من خلال زيادة مشاركة الصناديق الحكومية في الإنفاق الرأسمالي كصندوق الاستثمارات العامة الذي يعد المحرك الفاعل لتنمية وتنويع الاقتصاد السعودي.
المزاد الهولندي
ومنذ تموز (يوليو) 2018 تم استخدام منهجية المزاد، التي يرى صندوق النقد أنها ستضفي درجة من المرونة على آليات تسعير الإصدارات المحلية الجديدة.
وشهد إصدار تموز (يوليو) 2018 (الإصدار السابع) تطبيق تلك المنهجية لأول مرة مع أدوات الدين في المملكة، حيث تستخدم السعودية "المزاد الهولندي" وهو المزاد نفسه الذي تستعمله الخزينة الأمريكية عندما تبيع سنداتها.
وبالاستعانة بأحد منتجات "بلومبيرج" الخاصة بالمزاد، تم منح المتعاملين الأوليين "سعر سقف محدد" price cap لا يستطيعون التسعير فوقه، بحيث يكون "التسعير النهائي" على "المستوى نفسه" سقف التسعير أو "دونه"، وتم الطلب من المتعاملين الأوليين أن يقدموا طلبات الاكتتاب الخاصة بهم، وكذلك الخاصة بعملائهم.
وآلية المزاد هذه تختلف عن المنهجية التسعيرية، التي كانت تستخدم في السابق وتدور حول تحديد نطاق تسعيري معين (أي حد أعلى وحد متوسط وآخر أدنى)، والطلب منهم التسعير بين هذا النطاق ثم يتم تحديد السعر النهائي من قبل جهة الإصدار.
منحنى العائد
ويعرف منحنى العائد بأنه خط يحدد الفائدة على أدوات الدين في وقت بعينه تمتلك فيه جهة الإصدار جدارة ائتمانية متوازنة، لكنها متباينة من حيث الاستحقاق، حيث يكون هناك على سبيل المثال فارق فائدة بين الصكوك والسندات لأجل خمسة أعوام ولأجل 30 عاما.
ويتخذ منحنى العائد عادة اتجاها صعوديا وهو المنحنى الطبيعي، ولكن عندما ينقلب يكون العائد على السندات الأقصر أجلا أعلى من العائد على نظيراتها الأطول أجلا.
وتحظى السعودية بمنحنى عائد طبيعي، سواء مع إصداراتها المقومة بالعملة المحلية أو الصعبة. ونجحت السعودية منذ 2019 في تمديد آجال استحقاقات الصكوك في السوق المحلية عبر إصدارات جديدة تشمل 12 و15 و30 عاما، وذلك لاستكمال منحنى العائد خالي المخاطر، ما يسهم في دعم مختلف الأسواق شاملة أسواق الدين العقارية.
والأمر نفسه كررته في 2020 عندما شهد إصدارها الدولاري استحقاقات بأجل سبعة أعوام و12 عاما، ولأول مرة شريحة الـ35 عاما، التي أتت جميعها خلال فترات استحقاق متباعدة، مساهمة في الوقت نفسة في إطالة أجل تلك الاستحقاقات، وفقا لسياسة إدارة الدين العام للدولة.
ويستعين العاملون بأسواق الدخل الثابت بمقياس "العائد حتى تاريخ الاستحقاق"، وذلك من أجل حساب العائد المستقبلي لأداة الدين، وذلك في حال الاحتفاظ بها إلى أن يحين أجل إطفائها. ويحدد هذا المقياس مدى جدوى الاستثمار من عدمه، ويكثر استخدام هذا المؤشر (بين المستثمرين) من أجل إجراء مقارنات بين العوائد السنوية لأدوات الدين، وذلك بغض النظر عن آجال استحقاقاتها.
مشاركة الأفراد
من المنتظر أن يدعم إصدار الشهر الحالي مخزون الصكوك الادخارية المتوافرة لاستثمارات الأفراد بالسوق الثانوية.
وجاء قرار تفعيل تخفيض القيمة الاسمية للصكوك الحكومية المدرجة لتكون في متناول الأفراد، وذلك ابتداء من حزيران (يونيو) 2019 ليعني أن السعودية قد فتحت المجال أمام مواطنيها للمشاركة بدعم المشاريع التنموية في البلاد، في خطوة تقدمية تتماشى مع كثير من الدول حول العالم، التي تتبع هذا النهج. وأسهمت الإصلاحات الاقتصادية، التي عمت أسواق الدخل الثابت في المملكة في جعل مسألة استثمار الأفراد بالصكوك أمرا ممكنا بعد أن تم تخفيض القيمة الاسمية للصك إلى ألف ريال (مقارنة سابقا بمليون ريال).
استحقاقات 2022
وأعلنت السعودية، ممثلة بوزارة المالية في أواخر تشرين الأول (أكتوبر) 2021 عن اكتمال عملية شراء مبكر لجزء من سندات وصكوك المصدر القائمة المستحقة في (أغسطس وسبتمبر وأكتوبر ونوفمبر وديسمبر) من 2022 بقيمة إجمالية وصلت إلى 32.9 مليار ريال. حيث تمكنت السعودية خلال تلك الفترة من إعادة تمويل 43.5 في المائة من ديونها التي يحين موعد سدادها في 2022.
ويحل في 2022 أجل استحقاق لديون "محلية" تقدر بـ57.4 مليار ريال، غير أن جهة الإصدار السيادية فضلت انتهاز ظروف السوق الموائمة في 2021 وقررت إعادة تمويل 32.9 مليار ريال من مبلغ الـ57.4 مليار ريال.
وأظهر رصد وحدة التقارير الاقتصادية بالصحيفة أن الديون المحلية التي يحين أجل استحقاقها في 2022 قد انخفضت بعد عملية الشراء المبكر الثانية من 57.4 مليار ريال إلى 24.4 مليار ريال (من ضمنها صكوك خمسية أواخر تموز (يوليو) بقيمة 12 مليار ريال، وفقا لمنصة "سي بوندز" Cbonds للبيانات المالية).
ويحل في 2022 أجل استحقاق يقدر بـ18.1 مليار ريال لسداد أصل الديون الدولية منها استحقاق نيسان (أبريل) الذي بموجبه سيتم سداد رأس المال والأرباح المتبقية لصكوك دولارية خمسية (بعائد 2.89 في المائة) تم إصدارها بقيمة 4.5 مليار دولار (تعادل 16.8 مليار ريال).
واستندت تحليلات وحدة التقارير الاقتصادية الخاصة بمواعيد آجال الاستحقاق على البيانات التي حصلت عليها من منصة "فاكتست" FactSet للخدمات المالية. يذكر أن "فاكتست" واحدة من أشهر منصات التحليلات المالية التي يستعين بها المجتمع الاستثماري العالمي من أجل تقييم الأوراق المالية وبناء القرار الاستثماري.
وحدة التقارير الاقتصادية