التعافي من الجائحة وتداعياتها على صعيد الاقتصادات "2 من 2"

هناك نقطة من زاوية اقتصادية مهمة وهي تأثير ارتفاع درجة عدم اليقين في مدى استعداد الشركات للاستثمار في التكنولوجيات الرقمية، ورغبتها في التوظيف. وتشير مسوحاتنا إلى أن تعافي المبيعات لم يقترن بالضرورة بزيادة التوظيف. وثمة إشارة واضحة من واقع بيانات المسوح إلى أن بطء التعافي في التوظيف لا يعزى إلى زيادة الميكنة أو ارتفاع مستوى التشغيل الرقمي بل بالأحرى إلى هيمنة الشعور بعدم اليقين على الشركات. وهذا يوضح أنه دون تحرك السياسات العامة، فلن يتسنى استرداد كل الوظائف التي فقدت خلال الجائحة، حتى مع عودة منحنى المبيعات إلى مستوياته قبل الأزمة.
لا يملي الارتفاع التاريخي في مستويات عدم اليقين على واضعي السياسات ضخ رؤوس الأموال فحسب، بل الأهم من ذلك بث الثقة في قطاع الأعمال. وكي تحقق ذلك، ينبغي على الحكومات أولا أن تكفل الإفصاح بوضوح وفي التوقيت المناسب عن أهلية برامج المساعدات العامة ومدتها وأهدافها حتى تطمئن الشركات إلى اتساق الرسائل والنتائج المتعلقة بالسياسات. كما يعني هذا أننا ينبغي أن نواصل جمع وتحليل البيانات المتعلقة بتأثير الأزمة في الشركات والاستجابة من قبل السياسات في خضم جائحة ما زالت مستمرة كي نفهم المطلوب بشكل أفضل، ونرصد فعالية برامج المساعدة.
ثانيا، من الأهمية بمكان الحفاظ على قدرة القطاع المالي على الاستمرار في الإقراض، ولا سيما في الدول ذات الأسواق المالية الأقل تطورا. وكما تشير نتائج مسوحاتنا، فإن الشركات الكبرى تتعافى بسرعة أكبر من الشركات الصغيرة ومتناهية الصغر. إضافة إلى ذلك، تزيد أوجه الضعف المالي لدى الشركات التي تقودها النساء عنها لدى تلك التي يقودها الرجال. من ثم، فإن مساعدة البنوك وغيرها من المؤسسات المالية وغير المالية على تقديم التمويل للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة المنتجة التي تمتلك مقومات البقاء يمكن أن يساعد على سد الهوة المالية والفجوة بين الجنسين. وفضلا عن التمويل، تواجه الشركات المملوكة للنساء مجموعة من القيود، من قوانين ولوائح، إلى سياسات متحيزة ضدها. وقد حان الوقت لتصحيح هذه التحيزات والتصدي لها كي تصبح الشركات المملوكة للمرأة جزءا لا يتجزأ من التعافي.
ثالثا، لدى الحكومات الفرصة للتعجيل بالتحول الرقمي من خلال برامج تسهل وتحفز تبني التكنولوجيا. لقد أثبتت التكنولوجيا الرقمية أنها وسيلة فعالة لتخفيف أثر الأزمة في أداء الشركات، ولا سيما تلك التي تقودها النساء. ومع هذا، فإن عديدا من الشركات خاصة الشركات الصغيرة لا تستثمر إلا قليلا نسبيا في التكنولوجيات الرقمية وابتكار المنتجات. ومن شأن السياسات الرامية إلى تيسير اعتماد التكنولوجيا أن تساعد الشركات على التخفيف من حدة آثار الأزمة الحالية، فضلا عن المساعدة على إرساء الأسس لزيادة الإنتاجية بوتيرة أسرع مستقبلا.
جرت مناقشة هذه النتائج وغيرها بمزيد من التفصيل في ورقة عمل صدرت أخيرا عن البنك الدولي. الآن، مع تغطية لوحة مسوح قياس نبض مؤسسات الأعمال لنحو 30 مؤشرا تراوح من مبيعات الشركات إلى توقعاتها، فإننا ملتزمون بمساعدة واضعي السياسات في شتى أنحاء العالم على تقييم المخاطر على مستوى الشركات بشكل أفضل وتصميم برامج المساندة العامة. ورغم أن هذه الجائحة لم تنقشع بعد، يحدونا الأمل أن تساعد جهودنا المستمرة في تجميع البيانات المعنية بالسياسات في التوقيت المناسب على إرساء الأسس اللازمة لتحقيق تعاف مستدام وقادر على الصمود وشامل للجميع، وعلى تحسين ما بين يدي واضعي السياسات من ترسانة الأدوات اللازمة للتصدي للصدمات في المستقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي