تقارير و تحليلات

مبادرة «السبع» التريليونية .. إعادة البناء في مواجهة «الحزام والطريق»

مبادرة «السبع» التريليونية .. إعادة البناء في مواجهة  «الحزام والطريق»

تستهدف مبادرة "السبع" تغطية 40 تريليون دولار من احتياجات البنية التحتية.

مبادرة «السبع» التريليونية .. إعادة البناء في مواجهة  «الحزام والطريق»

وقعت أكثر من 100 دولة اتفاقات مع الصين للتعاون في مشروعات تتصل بمبادرة "الحزام والطريق".

خلال قمة مجموعة السبع في مدينة كورنوال الإنجليزية، كشف قادة المجموعة عن خطة ذات طابع عالمي لمساعدة البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل لتغطية التكلفة الهائلة للبنية التحتية "الخضراء"، وحملت المبادرة أو الخطة اسم "إعادة البناء بشكل أفضل للعالم" B3W.
مبادرة المجموعة، التي تضم أغنى سبعة اقتصادات في العالم، باستثناء الصين، إلى بناء عالم أفضل عبر تقديم منافس "أخضر" يعمل على تأسيس بنية تحتية حديثة، تراعي معايير المحافظة على البيئة، وتنسجم مع حماية المناخ العالمي، وتعتمد على الطاقة النظيفة.
المبادرة، التي تطرحها مجموعة السبع، تأتي بديلا لمبادرة الحزام والطريق الصينية، وتهدف إلى إطلاق العنان لرأس المال الخاص للاستثمار في المشاريع، سواء تعلقت بالمناخ أو التكنولوجيا الرقمية أو الصحة.
إلا أن دول المجموعة لم تقدم تفاصيل حول النطاق أو المدى الزمني لخطتها، واكتفت بالإشارة إلى الرقم الإجمالي لحجم الاستثمار الذي سترصده لمشروع تطوير البنية التحتية، دون الخوض في تفاصيل الاستثمار، واكتفت المجموعة بالإشارة إلى أن القيمة الإجمالية للاستثمار، الذي ستسهم به يزيد على 40 تريليون دولار أمريكي، أي ما يقارب 28.4 تريليون جنيه استرليني.
كما أكدت المجموعة أن أعضاء مختلفين سيكونون مسؤولين عن أجزاء مختلفة من هذا المشروع في مناطق مختلفة في العالم.
فهل جاءت تلك الخطة متأخرة، ولا يمكن لها أن تنجح بعد أن امتدت مشاريع البنية التحتية لمبادرة الحزام والطريق الصينية، التي انطلقت عام 2013 إلى 140 دولة في العالم، ووصلت حتى إلى إيطاليا عضو مجموعة السبع؟
"الاقتصادية" استطلعت آراء مجموعة من الخبراء والاقتصاديين لمعرفة إمكانية نجاح تلك المبادرة الجديدة؟ ومدى واقعيتها في ظل الرقم الفلكي الذي تنوي استثماره؟ وهل يمكن - بالفعل - لدول المجموعة التي لا يزال أغلب أعضائها يعانون التداعيات الاقتصادية السلبية لتفشي وباء كورونا، أن يمولوا مبادرة بهذا الحجم؟ وهل يمتلكون القدرة أيضا على تعويض الفارق الزمني بين الشروع في تنفيذ مبادرتهم، وما حققته مبادرة الحزام والطريق الصينية من إنجازات؟
كثيرة هي الأسئلة المثيرة للجدل بشأن تلك المبادرة، لكن أكثر ما أثار اللغط بشأنها، فيتعلق بالرقم الذي أعلنت البلدان المشاركة في المجموعة نيتها المساهمة به استثماريا، وهو 40 تريليون دولار، لأنه رقم استثنائي بكل المعايير.
وقبل أن نلج إلى صلب هذا التقرير، ونستعرض آراء الخبراء والمحللين، كان السؤال الأول، الذي يتبادر إلى الذهن، ما التريليون دولار؟ وبعيدا عن كونه رقما واحدا وبجواره 12 صفرا، فإن الأكثر أهمية، ماذا يمكن أن يبنى أو يشيد أو يشترى بتريليون دولار
بشأن القوة الاقتصادية لهذا الرقم التريليوني؟ قال الدكتور نيك راسل أستاذ الاقتصاد الرياضي في جامعة كامبريدج، "إذا امتلكت قدرة سحرية في أن يكون لديك جنيه استرليني كل ثانية، فستكون في حاجة إلى 32 عاما ليكون لديك مليار واحد، وحيث إن التريليون ألف مليار، فستكون في حاجة إلى 32 ألف عام لتمتلك أول تريليون، وإذا حسبنا الناتج المحلي الإجمالي لأكبر اقتصادين في العالم، وهما الولايات المتحدة والصين، فإن مجموع الناتج المحلي الإجمالي للبلدين بالكاد سيصل إلى 38 ترليون دولار، ولن يبلغ 40 تريليون".
وأضاف راسل، "دولة بقوة بريطانيا يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لها 3.1 تريليون دولار، وتريليون جنيه استرليني يكفي لبناء 24 مستشفى في المملكة المتحدة على أحدث الطراز ومجهزين بأحدث المعدات والأجهزة الطبية، كما يكفي لدفع رواتب 228 ألف طبيب بريطاني لمدة عام، وعدد الأطباء في بريطانيا نحو 290 ألف طبيب".
وتابع أنه "بمفهوم البنية الأساسية يمكن لتريليون دولار تزويد 2400 ميل من السكك الحديدية بالكهرباء، وهي مسافة أطول من المسافة الممتدة من العاصمة السعودية الرياض إلى العاصمة التونسية تونس عبر الطريق البري، وعسكريا التريليون يكفي لشراء 666 غواصة نووية، ولذلك هذا الرقم الذي رصدته مجموعة السبع لإحداث تغيير جذري في البنية التحتية للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، يعد بجميع المعايير الاقتصادية رقما استثنائيا، إذا تم بالفعل استثماره، وقادر على إحداث تغيير ثوري في البنية التحتية للبلدان متوسطة ومنخفضة الدخل".
لكن تلك القدرة الاقتصادية الهائلة لمبلغ 40 تريليون دولار، وغياب أي إيضاح تفصيلي من قبل أعضاء مجموعة السبع بشأن التفاصيل المتعلقة بحجم وقيمة المساهمة التي ستقوم بها كل دولة في المجموعة، والمفهوم الذي ارتبط بهذا القرار، ويأتي في إطار صراع تنافسي مع الصين، يجعل الدكتورة كرستين كريس خبيرة النماذج الاستثمارية في كلية التجارة في جامعة بروملي، تشكك في تلك الخطوة على الأقل حتى الحصول على إجابة عن الأسئلة حائرة.
وقالت لـ"الاقتصادية"، إنه "قد تكون النوايا صادقة، لكن هناك عديد من القضايا التي من المحتمل أن تواجه دول المجموعة وهي تعمل على تنفيذ تلك الخطة، فضخامة المبلغ المخطط استثماره لا ينفي أن التساؤل الأول سيتعلق بأنه على افتراض أن الأموال المستثمرة ستأتي من الدول التي تقدم التمويل إلى جانب المؤسسات الخاصة، فهل ستكون على استعداد للإقراض في المواقف عالية المخاطر؟".
وتابعت، "تجربة أوروبا مع دولة كاليونان، توحي أنه ستتردد عن الإقدام على استثمارات عالية المخاطر، فعضوية اليونان في الاتحاد الأوروبي لم تدفع أوروبا للاستثمار في ميناء بيرايوس اليوناني، لأن المخاطر كانت عالية، وتدخل في نهاية المطاف شركة كوسكو الصينية، بعد أن التزمت أثينا بأن تكون جزءا من مبادرة الحزام والطريق".
وفي الواقع، فإن عديدا من دول مبادرة الحزام والطريق الصينية تعد وجهات استثمارية محفوفة بالمخاطر، وهو ما يجعل البعض يفسر الدور متزايد القوة الذي تلعبه الصين في بعثات حفظ السلام الدولية، مدفوعة في ذلك جزئيا بالرغبة في حماية استثماراتها الخارجية في المناطق المضطربة.
وتضيف الدكتورة كريس، "كما سيكون هناك تحد آخر متعلقا بطبيعة الشروط التي ستفرضها المجموعة على إقراض البلدان ذات الدخل المتوسط والمنخفض، ومن غير المتوقع أن تكون قادرة على منافسة الصين في هذا المجال، وعلى الرغم من أن هناك لغطا بشأن طبيعة القروض الصينية، خاصة أنها استخدمت كما حدث في سيرلانكا للهيمنة على مقدرات البلد المقترض، إلا أن الصين تقوم بعمليات الاقتراض وتضرب في كثير من الأحيان بالمخاطر السياسية والاقتصادية ودرجة التصنيف الائتماني عرض الحائط، كما أن الصين لا تهتم كثيرا بالمعايير البيئية، وهذا جانب أساسي في مبادرة مجموعة السبع، ما يعني أن التكلفة ستكون أكثر ارتفاعا".
وفي الواقع، فإن بعض الخبراء البريطانيين، وعلى الرغم من تقديرهم لمبادرة مجموعة السبع، إلا أنهم عدوا أن تفادي دخول البيان الختامي أو التصريحات الصحافية في أي تفاصيل، يعكس إدراك دول المجموعة أن الموقف من الصين في جوهره غير موحد تماما، وأن احتمالية وجود منافسة متعددة الأطراف لمنظمة الحزام والطريق مجرد أمنيات، فألمانيا وإيطاليا - على سبيل المثال - قلقتان بشكل واضح من المخاطرة بصفقاتهما التجارية والاستثمارية الضخمة مع بكين، أو أن تؤدي تلك المبادرة إلى اكتساب طبيعة عدائية في التعامل مع بكين، ما قد يفجر حربا باردة جديدة، أو حرب عملات.
وتساعد الانقسامات حول كيفية النظر إلى الصين على تقديم تفسير نسبي، لماذا فشلت دول المجموعة حتى الآن على الأقل على الحشد المنسق لمواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية.
وفي دراسة حديثة أجراها مجلس العلاقات الخارجية "منظمة مستقلة أمريكية هدفها تحليل سياسة الولايات المتحدة الخارجية والوضع السياسي العالمي" حول ردود فعل واشنطن تجاه المبادرة الصينية، وصف الموقف الأمريكي بأنه "مبعثر"، وألمح إلى أن الصين تبهر عديدا من الدول النامية المشاركة في مبادرتها بتحركها السريع من التخطيط إلى البناء، كما أن الصين بعكس واشنطن وباقي دول المجموعة تتبنى ما تريده الدول المضيفة بدلا من إخبارها بما يجب عليها فعله.
وجهة النظر تلك لا تروق للبروفسير أيان مات أستاذ الاقتصاد الآسيوي في جامعة لندن، الذي يرى أن مبادرة مجموعة السبع تمتلك مقومات قوية للنجاح.
وذكر لـ"الاقتصادية"، أن "تلك المبادرة ليست الوحيدة، إنما سبقتها مبادرات من قبل الاتحاد الأوروبي مع مجموعة أسيان، واليابان وعديد من البلدان متوسطة ومنخفضة الدخل، وجميعها تسير في الاتجاه ذاته، وأخيرا هناك شراكة في مجال البنية التحتية بين الاتحاد الأوروبي والهند، لكن أهمية المبادرة الأخيرة أنها المرة الأولى التي تناقش فيها أغنى دول العالم تنظيما بديلا مباشرا لمبادرة الحزام والطريق الصينية".
وأضاف، "لذا، فهي قوة دفع قوية في اتجاه مواجهة النفوذ الاقتصادي المتزايد للصين، وستهمش إلى حد كبير من الجهود التي تبذلها الصين للهيمنة على البنية التحتية للاقتصادات الأقل نموا، ويجب أيضا أن نأخذ في الحسبان أن السلطات في بكين باتت منهكة من مشروع الحزام والطريق، وتواجه بتحديات ضخمة من قبل المجموعات المحلية في البلدان التي تستثمر فيها".
وتتفق وجهة النظر تلك مع بعض القراءات التي بدأت بالظهور مع وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى سدة السلطة، فالإدارة الأمريكية الجديدة، بدأت تشعر بأن الدول الأوروبية باتت أكثر فهما لخطورة المشروع الصيني بعد جائحة كورونا ومخاطر الاعتماد على سلاسل التوريد الصينية.
ومبادرة الحزام والطريق الصينية، مشروع بنية تحتية يتكلف تريليونات الدولارات، أطلقه الرئيس شي جين بينج عام 2013، ويشمل مبادرات تنمية واستثمار تمتد من آسيا إلى أوروبا وما ورائها.
ووقعت أكثر من 100 دولة اتفاقات مع الصين للتعاون في مشاريع تتصل بالمبادرة، مثل مد خطوط سكك حديدية وإقامة موانئ وطرق سريعة، وغيرها من مشاريع البنى التحتية، بحسب "رويترز".
وتشير قاعدة بيانات "ريفينيتيف" إلى أنه حتى منتصف العام الماضي كان هناك أكثر من 2600 مشروع مرتبط بالمبادرة بتكلفة 3.7 تريليون دولار، رغم أن وزارة الخارجية الصينية قالت في يونيو الماضي، إن نحو 20 في المائة من المشاريع تأثرت بشدة بجائحة كوفيد - 19.
وتشهد أمريكا والصين حربا اقتصادية تجارية مندلعة، بدأها الرئيس الأمريكي السابق، وأكملها جو بايدن الرئيس الحالي، لكبح النفوذ الاقتصادي الصيني، وكان آخرها توسيع اللائحة السوداء للشركات الصينية المتهمة بدعم النشاطات العسكرية لبكين، إذ باتت غير قادرة على الاستفادة من استثمارات أمريكية.
وعدل الرئيس الديمقراطي، المرسوم الذي أصدره سلفه في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، ليشمل الشركات المشاركة في تصنيع ونشر تكنولوجيا المراقبة، التي يمكن استخدامها ليس في الصين ضد الأقلية المسلمة والمعارضين الأويغور فقط، بل في جميع أنحاء العالم.
وكانت اللائحة الأولى، التي وضعت في عهد ترمب في 12 تشرين الثاني (نوفمبر)، تضم 31 شركة يعتقد بأنها تزود أو تدعم المجمع العسكري والأمني الصيني، وقد أصبح عدد الشركات حاليا 59.
وقال البيت الأبيض حينها، "إن هذا المرسوم يسمح للولايات المتحدة بأن تمنع - بطريقة مركزة ومحددة الأهداف - الاستثمارات الأمريكية في شركات صينية تمس بأمن الولايات المتحدة أو قيمها الديمقراطية أو حلفائها".
وأوضحت واشنطن أن هذه اللائحة تستهدف أيضا الشركات التي تستخدم "تقنيات المراقبة الصينية خارج الصين، وكذلك تطويرها أو استخدامها لتسهيل القمع أو الانتهاكات"، مشيرة خصوصا إلى الأويغور.
وتشمل اللائحة مجموعات عملاقة للبناء والاتصالات والتكنولوجيا، مثل "هواوي" لصناعة الهواتف النقالة والشركة الوطنية الصينية للنفط في عرض البحر "سي إن أو أو سي" وشركة بناء السكك الحديد و"تشاينا موبايل" و"تشاينا تيليكوم" حتى "هيكفيجن" للمراقبة بالفيديو.
ودانت الصين الحظر "السياسي"، الذي قررته الولايات المتحدة في عهد ترمب، مؤكدة أنه "لا يأخذ في الحسبان على الإطلاق واقع الشركات المعنية".
وقال وانج وينبين المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، "يتعين على الولايات المتحدة احترام حكم القانون والكف عن اتخاذ إجراءات ضارة بالسوق المالية العالمية".
وتعهد بأن "تتخذ الصين الإجراءات اللازمة لحماية الحقوق والمصالح المشروعة للشركات الصينية بقوة".
ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض، اعتمد بايدن موقفا حازما حيال الصين، وهذه واحدة من القضايا القليلة التي تشكل سياسته فيها استمرارية لسياسة ترمب الذي شن حملة فعلية ضد بكين، لكن خلافا لسلفه، يريد بايدن استخدام القناة الدبلوماسية عبر تشكيل جبهة مشتركة ضد الصين مع الشركاء الدوليين للولايات المتحدة.
وتلقى هذه القضية أيضا إجماعا في الكونجرس في واشنطن، وقد نشر توم كوتون وماركو روبيو، السناتوران الجمهوريان، وغاري بيترز ومارك كيلي الديمقراطيان، رسالة مشتركة تدعو إلى إصدار لائحة جديدة.
وقال البرلمانيون في رسالتهم، "يتعين على حكومة الولايات المتحدة أن تواصل العمل بتصميم لمنع نهب الحزب الشيوعي الصيني قاعدتنا الصناعية".
وفي عهد ترمب أدت المواجهة التجارية بين القوتين الكبريين في العالم إلى تبادل فرض رسوم تجارية على سلع بمئات المليارات من الدولارات، ما أثر في الاقتصاد العالمي.
مع ذلك، وقعت بكين وواشنطن اتفاقية تجارية بدت شكلا من هدنة في كانون الثاني (يناير) 2020، قبل أن يشل وباء كوفيد - 19 العالم.
وتدهورت العلاقات بين بكين وواشنطن في عهد ترمب، وطغى عليها نزاع تجاري استمر عامين. وفي كانون الثاني (يناير) 2020، وقعت الدولتان اتفاقا تجاريا لإنهاء النزاع، قبل أن يصاب العالم بالشلل بسبب وباء كوفيد - 19.
ويرغب جو بايدن في الإبقاء على سياسة صارمة حيال الصين في مجالات عدة، من بينها الدفاع والتكنولوجيا، وذلك بعدما استهلت إدارته مسارا أكثر دبلوماسية مع بكين مقارنة بإدارة ترمب.
وتحظى السياسة الصارمة حيال الصين بتوافق نادر الحصول بين الجمهوريين والديمقراطيين في الكونجرس الذي يترصد أعضاؤه تنامي النفوذ العالمي لبكين.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من تقارير و تحليلات