ثقافة المجالسة
الإنسان بطبعه البشري يحتاج إلى المؤانسة والتسلية ويأنف من الوحدة والعزلة. يرى علماء النفس أن من يميل إلى العزلة فإنه يعاني من الداخل وأنه بحاجة ماسة لتدخل سريع يعيده إلى وضعه السوي في مخالطة الناس ومعاشرتهم. ويبرز سؤال مهم وهو هل كل شخص يصلح أن يكون جليسا؟ وهل كل جليس ينفع صاحبه؟ أم أنه كما يقال في المثال - الوحدة خير من جليس السوء - الحق تبارك وتعالى أوضح في محكم التنزيل أهمية أن يكون الرابط بين الإنسان ومن يصاحب هو التقوى، (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) وفي الحديث "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل". فسرعة تأثير الجليس على الآخر مدهشة، فتجد شخصا صالحا مستقيما وبمجرد مجالسته لأصدقاء السوء ينقلب وبسرعة رأسا على عقب، ولهذا يؤكد المربون وعلماء الاجتماع أهمية اختيار الصاحب فالعرب تقول "الصاحب ساحب" وشاعرهم يؤكد ذلك:عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتديويقول آخر:
عدوى البليد للجليد سريعة
والجمر يوضع في الرماد فيخمد
وسرعة انتقال العدوى يجسدها قول الشاعر:
ولا ينفع الجرباء قرب صحيحة
إليها ولكن الصحيحة تجرب
الشعر الشعبي بدوره أكد أهمية اختيار الصاحب وأن المرء سيكتسب خصائص صاحبه فها هو شاعرنا يخاطب ابنه ناصحا وموجها:
والحر مثلك يستحي يصحب الديك
وأن صاحبه عاعا معاعاة الأدياك
نعم إنه لمن المهم أن يكون للإنسان صداقات يلجأ إليها ويأنس بها، ولكن الأهم أن يكون اختيار تلك الصداقات مبنيا على أسس صحيحة وليست كتلك التي تبنى من خلال شبكات التواصل الاجتماعي التي عادة ما تكون سببا في وقوع كثير من المآسي والآلام. وقد أدرك العقلاء أهمية مصاحبة الأخيار والبعد عن مصاحبة الأشرار، فهذا مالك بن دينار رحمه الله يقول، "إنك إن تنقل الحجارة مع الأبرار خير من أن تأكل الحلوى مع الأشرار". إن كثيرا ممن سقطوا في أوحال المخدرات والرذيلة كان ذلك بسبب مجالستهم لأصحاب السوء، وإن كثيرا ممن يعيش حياة هنيئة سعيدة تعزى بعد توفيق الله إلى الصحبة الطيبة، فالشقي من اتعظ به والعاقل من اتعظ بغيره.