اللوبي ليس تهمة ولا عيبا
تابع الكثير قضية ترشيح تشارلز فريمان لمنصب رئيس اللجنة الوطنية للاستخبارات، وهي الجهة التي تلخص التقارير الاستخباراتية للرئيس الأمريكي، ولكنه سحب ترشيحه بعد ضغوطات من اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، خاصة في الكونجرس، نظراً لأنه سبق أن انتقد تبعية السياسة الخارجية الأمريكية لإسرائيل. وجاءت التهم ضده لتراوح بين أن له علاقات مع السعودية، حيث عمل سفيراً هنا أثناء فترة بوش الأب، وأنه يدعم النظام الشمولي في الصين، وكلها بطبيعة الحال تلفيقات يقصد منها إقصاؤه عن المنصب، إما لشكهم فيه، وإما لوجود من هو أفضل لمصالحهم منه.
لست أتحدث عن صلاحية فريمان من عدمها لهذا المنصب. كما أني لن أتحدث عن نفاذ اللوبي الإسرائيلي داخل المؤسسات السياسية والإعلامية الأمريكية، ولكن سأتحدث عن مبدأ اللوبي نفسه. لا ينكر أي أحد أن لإسرائيل "لوبي" يعمل لحماية مصالحها داخل الولايات المتحدة، بل حتى السياسيين الأمريكيين يعلمون ذلك، ولا ينكرونه، ولكن هذه الحقيقة تستخدم في الصحافة العربية لبيان مكر اليهود وخبثهم، وكيف أنهم تغلغلوا في المؤسسات الأمريكية على غفلة من الأمريكان. هذا بالتأكيد غير صحيح، فالنظام والدستور الأمريكي يسمحان بوجود جماعات ضغط، ورعاية مصالح، سواء كانت مهنية، مثل نقابات العمل، أو تجارية، مثل منظمة البندقية الوطنية، أو شركات الأدوية، والأسلحة، أو أخلاقية، أو دينية، مثل الكنائس المختلفة، والجماعات المكافحة للإجهاض، أو سياسية مثل منظمة الملونين، أو الجماعات الواقعة تحت تأثير الأحزاب السياسية مثل بعض الكنائس البروتستانتية الواقعة تحت تأثير الجمهوريين.
ينبغي أن يعرف العرب والصحافة العربية تحديداً أن اللوبي ليس تهمة، وليس عيباً يتخفى منه سياسيو أمريكا أو أوروبا، بل هو ــ في أمريكا على الأقل ــ وسيلة مشروعة كفلها التعديل الأول على الدستور الأمريكي، ويتم التعامل معها بشكل واضح وقانوني، خاصة بعد نظام الإفصاح عن جماعات اللوبي الصادر عام 1995، ولكننا وقعنا في العالم العربي في مأزق يزيد تأزمنا وبعدنا عن دوائر التأثير الأمريكية والأوروبية. هذا المأزق هو معاملة الأنظمة السياسية والقضائية الغربية كما لو كانت مثل الأنظمة العربية، والصحيح العمل من خلال تلك الأنظمة، وليس فرض مبادئ غريبة عليها. بسبب ذلك ظل الغرب غير متعاطف مع قضايانا الكبرى، وبالتأكيد استغل اللوبي الإسرائيلي غياب العرب عن اللعبة السياسية، واستمال صناع القرار لصفه. ينبغي لنا العمل من داخل تلك الأنظمة، والحديث بلغة يفهمونها، لكي نصل إلى ما نريده. وهي ليست مؤامرة لقلب أنظمة الحكم الغربية، ولكنها آلية يجب أن تنتهجها الدول العربية، وأصحاب المصالح الخاصة والعامة لإيصال مطالبهم عبر آليات الحكم المعروفة والمقرة في أوروبا وأمريكا.
وللتطمين ليس اللوبي الإسرائيلي بالقوة التي يتخيلها البعض. وليس العالم رقعة شطرنج يحركون قطعه. وكم خسر الإسرائيليون ولوبيهم في أمريكا وحدها، ناهيك عن بقية العالم، فعمل جماعات الضغط السياسية مثل أي مجهود سياسي آخر، له مبادئ وطرق ونتائج، وقد ينجح، إن تم اتباع قواعد اللعبة السياسة بدقة، وقد تحول دون النجاح عوامل داخلية وخارجية. ويحق لنا حينئذ أن نستعيد المقطع الأول من كلمات الأغنية القديمة ـ مع التعديل ـ لتصبح "ياللوبي ياللوبي حامض حلو".