العيون والأدب
تمثل العين مرآة صادقة للإنسان؛ لا من حيث وضعه الصحي فحسب، بل حتى من حيث وضعه النفسي والروحي والعاطفي. لِمَ لا؟ وهي الجزء الذي ينبض بالحياة، ولذا فلطالما تغنى الشعراء بالعيون، ولطالما ألهمت قرائحهم بأجود القصائد. فالعين كلها مصدر إلهام، أهدابها وأحداقها وإشراقها ووميضها ودموعها، ومن هنا استحقت أن تكون لها لغة خاصة تسمى - لغة العيون - وهي لغة لا تحتاج إلى تعلم ودراسة، وإنما لغة تنبعث من القلب والروح لتشع في العين. إن للعيون سطوة بالغة يرى بعض الشعراء أنها قد تؤدي إلى الهلاك:
إن العيون التي في طرفها حور .. قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به .. وهن أضعف خلق الله إنسانا
صحيح أن العين عضو صغير من حيث الحجم، لكنه كبير من حيث التأثر والتأثير، فالعين تعكس كثيرا من المعاني والدلالات التي قد تكون متضادة أحيانا، فمنها يمكن للناظر أن يستشف الفرح والحزن والحب والكره والحنان والقسوة والرضا والغضب؛ بل الصدق والكذب. ولخطورة ما قد يؤثر في الإنسان إذا ما أطلق لبصره العنان، فقد أوجب الشارع غض البصر، لأن العين مرآة القلب، فإذا غض الإنسان بصره غض القلب إرادته.
كل الحوادث مبدأها من النظر
ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فعلت في قلب صاحبها
فعل السهام بلا قوس ولا وتر
تمتاز عيون الظباء بجمالها الأخاذ، ما حدا بالشاعر حين رأى الظبية أن يقول:
فعيناك عيناها وجيدك جيدها .. سوى أن عظم الساق منك دقيقوالبعض يملك قدرة عجيبة على فهم ما تنطق به العيون:
وإذا التقينا والعيون روامق .. صمت اللسان وطرفها يتكلم
تشكو فأفهم ما تقول بطرفها .. ويرد طرفي مثل ذاك فتفهم
أما البعض الآخر، فقد ثبت لديه بالتجربة أن العيون قد تكون مثل الشباك المستخدمة للصيد:
نصبت حبائل هدبها فتصيدت .. قلبي فراح فريسة الأهداب
ما كنت أعلم قبل طارقة الهوى .. أن العيون مصائد الألباب
ويرد ذكر العيون في الشعر الشعبي كثيرا خاصة حين - تسلهم - العيون!
من عيونه يذبحن لا سلهمني
بالهدب فوق المحاجر شاعقات
أو حين تكتحل العيون:
الكحل بالعين سايجته
كن الهدب ريش غربان