تقارير و تحليلات

اقتصادات آسيا .. نمو متعدد السرعات ومؤشرات تعاف متناقضة

اقتصادات آسيا .. نمو متعدد السرعات ومؤشرات تعاف متناقضة

هل حقا تعافت الاقتصادات الآسيوية من الأزمة الناجمة عن تفشي وباء كورونا؟ وإذا كانت قد تعافت فما هي التحديات الاقتصادية طويلة الأجل، التي تواجه القارة الصفراء بعد أن اجتاحها الوباء لمدة عام؟، أسئلة على لسان الاقتصاديين.
تبدو المؤشرات الراهنة في منطقة شرق وجنوب شرق آسيا إيجابية، فاليابان تخطط لدورة الألعاب الأولمبية الصيفية المؤجلة من 2020، والصين تركز على دورة الألعاب الشتوية، التي ستعقد في بكين 2022، ووفقا لصندوق النقد الدولي سينمو اقتصاد كوريا الجنوبية 2 في المائة، لتكون الأعلى بين 11 دولة متقدمة.
إذن الاقتصاد الآسيوي يتعافى، ولكن علامات النمو السريع في بعض أجزاء القارة الآسيوية وبلدان المحيط الهادئ تكشف أن التعافي لا يسير بذات السرعة في جميع تلك البلدان، كما أن عديدا من الخبراء يحذرون من أن يكون التعافي ظاهريا أو مؤقتا.
يقول لـ"الاقتصادية"، الباحث الاقتصادي في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مارتين سيل، "من السابق لأوانة الجزم بأن الاقتصادات الآسيوية تعافت تماما، فالمؤشرات متناقضة وقابلة للتأويل، بعضها يدل على التعافي، وبعضها الآخر يشير إلى أن المشكلات طويلة الأجل قائمة وربما تتفاقم نتيجة عام الوباء مثل تباطؤ نمو الإنتاجية وتزايد المديونية وشيخوخة السكان".
ربما أخطر ما يشير إليه بعض الخبراء من أن التعافي تتباين سرعته بين بلدان القارة، خاصة في شرق وجنوب شرق آسيا، حيث تعد بلدان تلك المنطقة القاطرة الحقيقية للاقتصاد العالمي في الوقت الراهن، ويمثل تحديا حقيقيا على المدى الطويل، إذ يترافق النمو متعدد السرعات مع اتساع فجوة عدم المساواة وتنامي المديونية في جميع أنحاء المنطقة.
ويضيف مارتين سيل، "ربما يحمل العام الجاري بعض الأخبار الطيبة، مقارنة بعام 2020، فمن المتوقع أن تنمو المنطقة 6.9 في المائة، ويعد ذلك رقما إيجابيا في بحر السلبيات الاقتصادية، ولكن حتى مع هذه الزيادة سيكون الإنتاج أقل في نهاية 2021 مقارنة بتوقعاتنا، التي سادت قبل الوباء، فضعف الثقة يعيق الاستثمارات الخاصة، وبحلول منتصف العقد أي في 2025 سيكون الناتج المحلي الإجمالي المحتمل أقل 5 في المائة من توقعاتنا قبل ظهور فيروس كورونا".
وفي الواقع، فإن تفكيك أداء الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة من خلال تحليل هيكل الصادرات ومستويات نصيب الفرد منها، ستظهر لنا مجموعة من التيارات، التي يمكنها المساعدة في فهم المسار الاقتصادي لبلدان شرق وجنوب شرق آسيا بعد الوباء.
من جهتها، تؤكد لـ"الاقتصادية"، الدكتورة آنا سكوت، أستاذة الاقتصادات الناشئة في جامعة بروملي أن الاقتصادين الأكثر تركيزا على الصعيد الداخلي وهما الهند وإندونيسيا شهدا تراجعا كبيرا في معدلات النمو نتيجة تدابير الإغلاق، التي قللت الطلب المحلي، وحتى الآن لم يتعاف الاقتصادان تماما من تفشي الوباء، لكن التأثير الاقتصادي السلبي بين الاقتصادات الآسيوية الأكثر تقدما مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان وهونج كونج كان يتراوح بين مقبول وجيد نتيجة نجاح حملات التصدي للوباء، كما أن تركيبة الصادرات، التي تعتمد على المنتجات التقنية والمستحضرات الطبية سمح لهم بأداء اقتصادي أفضل، مقارنة بالهند وإندونيسيا، أما اقتصادات جنوب وجنوب شرق آسيا ذات الدخل المتوسط مثل الفلبين وماليزيا وفيتنام وتايلاند فقد شهدت انكماشا ملموسا على الرغم من النتائج المتضاربة في جهود احتواء الوباء.
ووفقا لتلك الرؤية، فإن المسار الاقتصادي في أعقاب الوباء لا يزال يتطلب كثيرا من الجهود للقول إنه تعافي تماما أو حتى تعافى. فسيتعين على عديد من بلدان المنطقة التعامل مع أعباء الديون العامة والخاصة المرتفعة، وبعض تلك البلدان لن تتمكن من إدارة أزمة المديونية لديها.
فالديون السيادية قضية محورية في البلدان الصغيرة في جنوب وجنوب شرق آسيا، وسيتطلب معالجتها في الفترة المقبلة مزيدا من التركيز على حشد الإيرادات وإعادة تنظيم المالية العامة، وإدارة الديون بدعم من الشركاء متعددي الأطراف، والأهم تخفيف عبء الديون على أمل أن يوفر ذلك فسحة لتلك الاقتصادات بالتنفس.
المشكلة ربما تكون أكثر حدة في الأسواق الناشئة الأكبر، حيث الديون الخاصة بلغت مستويات قياسية، فعديد من الشركات لا تدر أرباحا كافية لخدمة ديونها حاليا على الأقل، والمساعدات الحكومية، هي التي تمكن تلك الشركات من البقاء واقفة على قدميها، وإذا حدثت موجة من الإفلاس لدى الشركات الكبرى، فإن تأثير نظرية الدومينو قد يؤدي إلى هروب رؤوس الأموال الأجنبية إلى الخارج ومزيد من الضغوط الاقتصادية الداخلية.
الخبير الاستثماري توماس هاردلي يعلق لـ"الاقتصادية" قائلا "ربما تبدو كلمة التعافي الاقتصادي لآسيا مبالغ فيها في الوقت الراهن، فهناك كثير من الجروح، التي منيت بها تلك الاقتصادات خلال معركتها مع كورونا، ويمكن أن تتحول الجروح إلى ندوب دائمة وتترك بصمات لا تمحى على الهياكل الاقتصادية الآسيوية، لتفادي ذلك على الأمد الطويل هناك حاجة ماسة إلى الإسراع بإصلاحات اقتصادية لتعزيز نمو الإنتاجية والاستثمار، والسماح بإعادة تخصيص الموارد الكافية عبر القطاعات المختلفة، وتقليل العبء التنظيمي والضريبي".
على الرغم من ذلك، فإن بعض الخبراء يعتقدون أنه من التعميم القول بتعافي اقتصادات المنطقة برمتها، مؤكدين أن التعافي سيأخذ شكلا قطاعيا، وأن بعض القطاعات ستتعافى أسرع وبشكل أفضل من قطاعات أخرى، ولربما تكون القطاعات المرتبطة بالسفر والسياحة هي آخر القطاعات تعافيا.
كما أن بعض الأنماط السلوكية، التي ظهرت ونمت وتعززت خلال فترة الجائحة، مثل العمل من المنزل والتسوق عبر الإنترنت ستواصل عملها حتى مع التخلص من الفيروس، وهذا يعني أنه على عديد من الشركات التأقلم مع هذا الوضع الجديد حتى تعود الحياة إلى أسلوبها المعتاد قبل تفشي الوباء، ولا شك أن ذلك سينعكس أيضا على المقدرة على التعافي وسرعته.
ويرى بعض الخبراء أن مسار التعافي التام لبلدان المنطقة من تبعات كورونا، لن يعتمد على أدائها الاقتصادي فحسب، بل أيضا على أداء الاقتصاد الصيني، الذي يعد بمنزلة قاطرة اقتصادية لبلدان المنطقة، فبعض التقديرات تصل بمعدل النمو المتوقع أن تحققه الصين هذا العام إلى 8.8 في المائة، ويرجع هذا جزئيا إلى الآثار الأساسية الناجمة عن الانكماش الشديد الذي عانته في 2020، ويراهن كثير من الاقتصاديين أن نجاح الصين في تحقيق معدل نمو مرتفع بهذا الشكل سيساعد بلدان المنطقة على سرعة النهوض من وعكتها الاقتصادية.
وفي هذا السياق، تقول لـ"الاقتصادية"، الباحثة الاقتصادية إملي وولف، "المساعدة الصينية لضمان التعافي السريع لاقتصاد آسيا والمحيط الهادئ، يمكن أن يأخذ شكل حزم من التحفيز المالي، للمساعدة على اكتساب بعض الوقت حتى تستطيع بلدان المنطقة النهوض والتعامل مع الضغوط المالية، التي تتعرض لها خاصة مستحقات الديون، يضاف إلى ذلك أن احتمال تأخر استعادة أوروبا والولايات المتحدة لعافيتهم الاقتصادية نتيجة سياسات الإغلاق المتبعة لمواجهة وباء كورونا".
وتضيف "هذا يعني أن التجارة الدولية لن تكون في أفضل حالتها ومن ثم النهوض الاقتصادي الصيني يمنح البلدان الآسيوية، خاصة التي تعتمد اقتصاداتها على الصادرات، منفذا آخر لزيادة صادراتها عبر التوجه إلى الأسواق الصينية بدلا من الأسواق الأوروبية والأمريكية، وهو ما يجعل من نمو الاقتصاد الصيني فرصة جيدة لتسريع وتيرة التعافي في اقتصادات آسيا والمحيط الهادئ".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من تقارير و تحليلات