Author

الاستقالات الكبرى .. هروب أم خسارة؟

|
اعتدنا السماع عن إعفاء مسؤولين في جهة حكومية، لسبب معلن أو غير معلن، لكن في القطاع الخاص نسمع عن الاستقالة. تتعدد حالات الاستقالة الطوعية والإجبارية وظروفها، لكنها في الوظائف العليا كثيرا ما تكون مرتبطة بحدث معين، رغم أننا أحيانا نرى كبار التنفيذيين يتنقلون من وظيفة لأخرى قبل فرصة الإنجاز وكأنهم قليلو خبرة، وهذا غريب، فالتنفيذي يعمل وفقا للإنجاز ولهذا نظريا يجب أن يمضي في مكان عمله عدة أعوام حتى يظهر تأثيره بالشكل المطلوب. الخروج المبكر يشكل أكثر من علامة استفهام، تماما مثل المقاول الذي يترك المبنى الذي يعمل عليه في منتصف البناء.
وإذا تركنا استقالات التنفيذيين التي تحصل لأسباب مرتبطة بالمسار الوظيفي، وهي ليست مبررة لكنها في ازدياد سنجد أن بقية الأسباب أسباب مرتبطة بالأحداث المحيطة بالمنشأة، وهذا صحيح غالبا حتى لو كان سبب الاستقالة المعلن أسبابا شخصية. ما الأحداث التي تدفع المسؤول نحو الاستقالة؟ أولها الفضيحة، سواء الفضائح المرتبطة بأخطاء حصلت عن قصد مثل الاختلاسات، أو عن غير قصد مثل الحرائق. وقد تكون هذه الفضائح تجاوزات أخلاقية انتشرت كالنار في الهشيم وجعلت الوضع غير قابل للسيطرة. وقد تكون الاستقالة هروبا قبل الفضيحة أو استجابة سريعة لها وكما يسمونها استقالة تحت الضغط. والحقيقة حتى الاستقالات التي تحصل بسبب هذه الفضائح تحمل كثيرا من علامات الاستفهام، لأن معالجة الفضيحة تأخذ في العادة وقتا طويلا، وقد يكون التنفيذي المستقيل ضحية لأمر لم يتضح بالشكل المطلوب بعد، فلا يعرف المسؤول الحقيقي عنه وربما لا يعرف أبدا. لأن استقالة المسؤول تجعل المنشأة تفتح صفحة جديدة دون اكتمال المحاسبة بالشكل المطلوب. أما الذي يستقيل قبل انكشاف الفضيحة فهو هارب مخادع يجب ألا تحميه استقالته من المساءلة.
هناك من يستقيل كذلك بسبب الأداء المالي، وقد يكون بعد عدة أعوام بسبب الفشل المتكرر في تحقيق النتائج المرجوة. وكثيرا ما نرى استقالات الأداء المالي التي تحصل على مشارف الأزمات الاقتصادية مثل موجة الاستقالات التي بلغت ذروتها عام 2008 قبيل الأزمة المالية العالمية، ومثل الموجة الأخيرة التي رافقت جائحة كوفيد - 19. ومثل هؤلاء يستشرفون المشكلات ويتفادونها بالهرب، وهذا أمر مثبت، وهي خسارة كبرى دون أدنى شك لأن المنشأة أشد ما تكون حاجة إلى قيادييها أثناء هذه الأزمات، لكنهم يعرفون أن النظام السائد لن يحميهم وقد يكونون ضحية ظروف لا يسيطرون عليها، لذا يأخذ مثل هؤلاء "بريك" حماية في الوقت الحساس جدا.
وهناك موجات أخرى من الاستقالات التي تحصل لأحداث جوهرية أخرى تسودها حالة عدم اليقين، مثل الاستقالات التي ترافق عمليات الشراء والدمج. وفي مثل هذه الحالات قد يشاهد التنفيذي مساره المهني على المحك، أو ربما يجد نفسه في مواجهة منافسة وظيفية لا قبل له بها، أو يغوص في فوضى الدمج ويرى فرص نموه المهني والوظيفي تتضاءل أمام عينه، سيفضل الاستقالة بحثا عن فرص أفضل دون أدنى شك.
ورغم أن الاستقالات تشمل كبار التنفيذيين في العادة إلا أنها تمتد لمجلس المديرين كذلك، الذين قد يواجهون الظروف نفسها التي يواجهها الرئيس التنفيذي. إلا أن في بعض الأحيان يضطر المجلس إلى دفع الرئيس التنفيذي نحو الاستقالة ككبش فداء إرضاء للمساهمين أو للجهات التنظيمية، رغم أن فشل المنشأة قد يكون نتيجة لأداء المجلس نفسه، فكثير من الحالات يكون فيها الرئيس التنفيذي مقيدا بقرارات المجلس الذي لن يتوانى عن لوم الرئيس التنفيذي عند انكشاف الأمور. وهذا طبعا لا يعني أن الرؤساء التنفيذيين مظلومون في العادة، فهم من يظلم أنفسهم في كثير من الحالات التي يتحملون فيها مسؤوليات كبيرة، ولا يرفعون من قدراتهم ومهاراتهم بالقدر المطلوب.
تقول الإحصاءات: إن الاستقالات التنفيذية التي تحصل بسبب التجاوزات الأخلاقية أكثر من تلك التي تحدث بسبب تدني الأداء المالي الذي يأتي على قمة المستهدفات التي تكلف بها الإدارة التنفيذية. ومع أن كثيرا من حالات الاستقالات تكون عبارة عن عملية هروب للتنفيذي أو التخلص منه إلا أنها خسارة كبيرة وتدمير للقيادة التوجيهية للمنشأة، فالمفقود يصعب تعويضه، معالجة أداء التنفيذي إذا كان قابلا للمعالجة أفضل بكثير من غيابه، أو حتى تبديله تبديلا مكلفا يستغرق كثيرا من الوقت ويحتاج إلى إعادة بناء الثقة والترتيب والتنفيذ.
إنشرها