مقاومة المضادات الحيوية .. "جائحة صامتة"

مقاومة المضادات الحيوية .. "جائحة صامتة"
الصحة العالمية: "لا يوجد تمويل مماثل أو آلية توزيع لتلبية الاحتياجات المتعلقة بمضادات حيوية فعالة".

عندما أطلقت منظمة الصحة العالمية في العام الماضي "الأسبوع العالمي للتوعية بمضادات الميكروبات"، قامت بتوسيع نطاق الحملة من المضادات الحيوية إلى جميع مضادات الميكروبات، بما في ذلك الأدوية المضادة للفيروسات والفطريات و"مضادات الأوالي". لقد أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن تأطير الاستجابة لمقاومة المضادات الحيوية ضمن الأجندة الأوسع لمقاومة مضادات الميكروبات بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشرية والملاريا سيسهل من التنسيق والكفاءة على مستوى البرامج، ويحفز العمل على مستوى الدولة من أجل مكافحة الالتهابات المقاومة للأدوية، لكن على الرغم من وجود عديد من القواسم المشتركة بين مقاومة المضادات الحيوية ومقاومة مضادات الميكروبات، إلا أن هناك اختلافات مهمة تبرر إيلاء اهتمام خاص بالمضادات الحيوية.
بحسب ما يرصده تقرير الباحثان باتريشيا جيلي، اقتصادية أولى وإخصائية صحة عامة في مجموعة البنك الدولي، وأوتو كارز أستاذ الأمراض المعدية في جامعة أوبسالا في السويد.
لقد كانت مقاومة المضادات الحيوية جائحة تنمو ببطء، وهذا يعود جزئيا إلى الدعم السياسي الضعيف نسبيا لتطبيق خطط العمل الوطنية التي تتضمن تأسيس أنظمة مراقبة تتوافر لديها موارد كافية. لقد نتج عن ذلك نقص في البيانات الخاصة بالسياق حول العبء الصحي والاقتصادي للمقاومة وهذا النقص أوجد عقبة أمام الإجراءات المرتبطة بالسياسات.
على الرغم من وجود الأرقام الإجمالية المتعلقة بعبء مقاومة مضادات الميكروبات - أكثرها اقتباسا يأتي من المراجعة المستقلة لمقاومة مضادات الميكروبات للمملكة المتحدة 2014-2016 التي يرأسها الاقتصادي جيم أونيل، التي تضع الحصيلة في حدود 700 ألف وفاة سنويا - فإن هذه الأرقام لا تعكس الحجم الحقيقي لمشكلة مقاومة المضادات الحيوية وذلك بسبب النطاق المحدود للبكتيريا المشمولة. وفي واقع الأمر طبقا للتقديرات فإن مقاومة المضادات الحيوية وحدها تتسبب في وفاة أكثر من 750 ألف شخص سنويا، علما بأنه من المرجح أن الحصيلة الأكبر هي تلك التي تحصد الأطفال في الدول الأكثر فقرا، وفي مسح عالمي جرى أخيرا أشار 79 في المائة من الأطباء الذين يعالجون الأطفال حديثي الولادة إلى زيادة في الالتهابات المقاومة للأدوية المتعددة خلال الأعوام الخمسة الماضية، بينما ذكر 54 في المائة منهم أن مقاومة المضادات الحيوية أصبحت السبب الرئيس للفشل في علاج تعفن الدم لدى حديثي الولادة وهو عدوى الدم التي تصيب الأطفال حديثي الولادة.
في السابق كان عادة ما يتم التعامل مع مشكلة مقاومة الأدوية من خلال البحث وتطوير مضادات حيوية جديدة، لكن على الرغم من أن البحث والتطوير يعدان عنصرا مهما في الاستجابة لمقاومة المضادات الحيوية، لكن هذا ينطوي على تحد علمي إضافة إلى التكلفة العالية. وفي الواقع نشأ سباق تسلح بين تطوير الأدوية ومقاومتها ومع وجود عدد قليل من المضادات الحيوية الجديدة قيد التطوير، نحتاج إلى حوافز لتحفيز البحث والتطوير مع فصل عائدات الاستثمار عن حجم المبيعات، من أجل إبطاء تطور المقاومة.
في الوقت نفسه فإن الأدوية الجديدة التي تدخل الأسواق يجب أن تكون متوافرة لجميع الذين يحتاجون إليها وبأسعار معقولة. إن متوسط التكلفة الإجمالية الإضافية للمقاومة بسبب الانتقال إلى علاجات الخط الثاني يمكن أن تكون كبيرة بحيث تصل إلى 700 دولار أمريكي لكل إصابة، وفي الدول الضعيفة حيث تمثل مدفوعات الأفراد الشخصية 55 في المائة من إجمالي الإنفاق على الصحة فإن من الممكن أن يؤدي ذلك إلى عواقب وخيمة بما في ذلك زيادة معدلات الإصابة بالأمراض والوفيات والفقر طويل الأجل.
يجب تحديد التكاليف الصحية والاقتصادية لمقاومة المضادات الحيوية من أجل إقناع الحكومات بالتدخل وتعزيز الحوافز من أجل تطوير المضادات الحيوية وهذا بدوره سيبرر الاستثمارات والشراكات بين القطاعين العام والخاص الضرورية لإدخال أدوية جديدة إلى السوق.
يبدو أن مقاومة المضادات الحيوية ستفوز بسباق التسلح، ما يعني زيادة أهمية الحفاظ على المضادات الحيوية الموجودة لكن لا توجد طريقة واحدة تناسب الجميع في هذا الخصوص، علما بأنه في عديد من الدول على سبيل المثال فإن زيادة فرصة الحصول على الأدوية تعد امرا ضروريا للحد من معدلات المرض والوفيات التي كان من الممكن تجنبها، الناتجة عن الالتهابات البكتيرية. إن مبادرات مثل الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا قد تعاملت جزئيا مع قضية الوصول إلى الأدوية الفعالة المضادة للفيروسات العكوسة والمضادة للسل إضافة إلى الأدوية المضادة للملاريا.
لكن كما ذكرت منظمة الصحة العالمية "لا يوجد تمويل مماثل أو آلية توزيع لتلبية الاحتياجات المتعلقة بمضادات حيوية فعالة للتصدي لمجموعة واسعة من الالتهابات البكتيرية الشائعة في الدول النامية"، وفي هذا السياق فإن الصندوق متعدد الشركاء الذي تم تأسيسه أخيرا يعد خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، وعلى الرغم من أن النطاق المالي للصندوق لا يزال متواضعا، إلا أنه سيدعم الدول في تطبيق خطط العمل الوطنية للتصدي لتهديد مقاومة الميكروبات بما في ذلك مقاومة المضادات الحيوية.
إن إحداث توازن بين الحاجة إلى المحافظة على فعالية المضادات الحيوية مع توسيع القدرة على الحصول عليها ينطوي على تحديات، وذلك نظرا إلى أن الاستخدام الأوسع سيؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة مقاومة المضادات الحيوية، علما بأن هذه المشكلة تتفاقم في عديد من الدول الأكثر فقرا وذلك بسبب أن الصراعات الأهلية ومستويات النظافة والتغذية السيئة والموارد المائية التي لا يمكن التعويل عليها تساعد على عملية الانتشار السريع لمسببات الأمراض المقاومة، لكن المدى الكامل للمشكلة لا يزال غير واضح بسبب نقص أنظمة المراقبة الوطنية من أجل مراقبة استخدام المضادات الحيوية ومقاومتها. إن وجود نهج للنظم الصحية سيكون أمرا حيويا من أجل التحقق من أن العواقب غير المقصودة للسيطرة على مقاومة المضادات الحيوية لن تعوق القدرة العادلة والمستدامة على الوصول إلى الأدوية المنقذة للحياة.
لقد حققت إفريقيا تقدما مهما أخيرا في هذا الخصوص، ففي سبتمبر الماضي قام رؤساء الدول والحكومات في إفريقيا بتبني موقف مشترك فيما يتعلق بالسيطرة على مقاومة مضادات الميكروبات وإضافة إلى ذلك فإن إفريقيا تقف الآن في طليعة جهود التعاون فيما يتعلق بكوفيد، بما في ذلك استخدام تقنيات مبتكرة مثل المراقبة الرقمية وتسلسل الجيل التالي. إن هذا يمكن أن يشكل مكونا أساسيا في شبكة مراقبة مقاومة مضادات الميكروبات التابعة للمراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، حيث تهدف هذه الشبكة إلى ربط الجهات الفاعلة من قطاعات صحة الإنسان والحيوان. إن هذه الجهود مهمة بشكل خاص ضمن السياق الإفريقي، حيث من المتوقع أن يتحمل عديد من الدول المنخفضة الدخل والضعيفة معظم التداعيات السلبية لمقاومة مضادات الميكروبات.
إن مشكلة مقاومة المضادات الحيوية المتزايدة لا تحترم الحدود بين الدول، وهذا في الأساس نتيجة لفشل منهجي متعدد، يمكن التغلب عليه فقط من خلال عمل جماعي عالمي عاجل.

الأكثر قراءة