Author

الهدوء الذي يسبق عاصفة أسعار الصرف «2 من 2»

|
لولا اللجوء للحد الأدنى شبه الصفري، لكان أغلب البنوك المركزية اليوم تضع أسعار فائدة أدنى بكثير من الصفر، تصل مثلا إلى سالب 3 أو 4 في المائة، ما يوحي بأنه حتى في حال تحسن الاقتصاد، قد يكون هناك وقت طويل أمام واضعي السياسات، كي يستعدوا للإقلاع من منطقة الصفر ورفع أسعار الفائدة إلى المنطقة الإيجابية.
ولا تعد أسعار الفائدة المحرك الوحيد المحتمل لأسعار الصرف، فهناك عوامل أخرى مهمة أيضا مثل الموازين التجارية والمخاطرة. ولا شك أن البنوك المركزية منخرطة في أنشطة شبه مالية متنوعة مثل التيسير الكمي. لكن مع استقرار أسعار الصرف بشكل أساسي في منطقة متجمدة عالية التبريد، ربما تلاشى المصدر الأكبر للغموض. في الواقع، كما أوضحت مع إلزيتسكي وراينهارت، كانت احتمالية تقلب أسعار الصرف الأساسية تتضاءل شيئا فشيئا قبل الجائحة بوقت طويل، خاصة مع اقتراب بنك مركزي تلو الآخر من الحد الصفري، لتأتي بعدها جائحة كوفيد - 19 فيترسخ الانخفاض الشديد في أسعار الفائدة.
غير أن الركود الحالي لن يستمر للأبد. فبفضل السيطرة على معدلات تضخم مقبولة نسبيا، كانت القيمة الحقيقية لمؤشر الدولار واسع النطاق في ارتفاع على مدار عقد تقريبا، ومن المحتمل أن ترتد جزئيا في وقت ما إلى المعدل المتوسط كما حدث في مطلع الألفية الثالثة، ورغم تضرر أوروبا حاليا أكثر من الولايات المتحدة من الموجة الثانية من الفيروس، فقد ينعكس هذا النموذج مع تغول الشتاء، ولا سيما إذا تسببت الفترة الانتقالية التالية للانتخابات الأمريكية في شلل السياسات الصحية وسياسات الاقتصاد الكلي. ورغم تمتع الولايات المتحدة حتى الآن بالقدرة الهائلة على تقديم الإغاثة الضرورية من الكارثة للعاملين المتضررين بشدة والشركات الصغيرة، تشير الحصة المتزايدة للدين العام الأمريكي وديون الشركات الأمريكية في الأسواق العالمية إلى مواطن ضعف قد تستمر أمدا طويلا.
لتبسيط الأمر أقول: هناك تعارض جوهري سيظهر أثره على المدى الطويل بين التزايد المستمر في حصة الدين الأمريكي في الأسواق العالمية والهبوط المتواصل في حصة الناتج الأمريكي في الاقتصاد العالمي. يتوقع صندوق النقد الدولي أن يزيد حجم الاقتصاد الصيني بنسبة 10 في المائة بنهاية عام 2021 مقارنة بحجمه في نهاية 2019. فقد أفضت معضلة الموازنة بين الجانبين في نهاية الأمر إلى انهيار نظام بريتون وودز القائم على أسعار صرف ثابتة، وظهر بعد الحرب العالمية، وذلك بعد عقد من تنبيه روبرت تريفين، أستاذ الاقتصاد في جامعة ييل، إلى تلك المعضلة للمرة الأولى في مطلع الستينيات.
بالتأكيد هناك إمكانية لارتفاع أكبر في قيمة الدولار في الأمدين القريب إلى المتوسط، ولا سيما إذا تسببت موجات أخرى من كوفيد - 19 في إجهاد الأسواق المالية وفجرت موجات من الهروب إلى الأمان. ومع تنحية قضية غموض أسعار الصرف جانبا، يبقى الاحتمال الأقوى أن يظل الدولار هو الملك حتى 2030. لكن يجدر بنا أن نتذكر أن الصدمات الاقتصادية، كالتي نمر بها الآن، تثبت في الأغلب كونها نقاط تحول مؤلمة.
خاص بـ “الاقتصادية”
بروجيكت سنديكيت، 2020.
إنشرها