تأملات في ميزانية السعودية لعام 2009

تعد ميزانية عام 2009 الأكبر في تاريخ السعودية ما يؤكد أن نية السلطات مصممة بتحقيق نمو اقتصادي يتناسب وحجم التحديات المرتبطة بمسألة الأزمة المالية. تشمل العوائق المرتبطة بالأزمة بممارسة المؤسسات المالية الحذر الشديد بتوفير التمويل بسب تصدع الثقة. وقد بدأت الظاهرة بالتحول لأزمة اقتصادية بدليل تسببها في تعزيز مشكلة البطالة في ألمانيا وتباطؤ النمو الاقتصادي في الصين وتسجيل شركات مثل تويوتا اليابانية خسائر مالية.
تبلغ المصروفات المقدرة للسنة المالية 2009 نحو 126 مليار دولار مقابل إيرادات قدرها 109 مليارات دولار ما يعني توقع تسجيل عجز مقداره 17 مليار دولار. يشكل العجز في حال حدوثه الأول من نوعه منذ عام 2002 ومرده تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية. فقد تدنى متوسط سعر النفط من 147 دولارا للبرميل في منتصف عام 2008 إلى أقل من 40 دولارا للبرميل في بداية عام 2009.

معضلة العجز
يعد العجز المتوقع أمرا غير عادي لأنه يشكل نحو 4.5 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية ونحو 3.1 في المائة من الناتج المحلي بالأسعار الثابتة. يتناقض مستوى العجز مع التزامات المملكة بأحد شروط الاتحاد النقدي الخليجي المزمع إطلاقه في عام 2010. يتضمن مشروع الاتحاد النقدي مجموعة من المعايير تشمل تقييد الدين العام بنسبة 60 في المائة من الناتج المحلى الإجمالي. كما أن الدول ملزمة بضمان عدم ارتفاع العجز في الموازنة العامة بنسبة 3 في المائة من الناتج المحلى الإجمالي. حسب مجموعة الإيكونومست البريطانية، يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي للسعودية 382 مليار دولار حسب أسعار السوق لكن 555 مليار دولار استنادا إلى مبدأ القوة الشرائية.
الأمر المؤكد هو أن الأوضاع المالية للعام الجاري تختلف مع تلك التي كانت سائدة قبل عدة سنوات عندما كانت أسعار النفط ترتفع بشكل تدريجي. بمعنى آخر، من الممكن فعلا تسجيل عجز في ميزانية 2009 في حال بقيت أسعار النفط متدنية. تسببت الأزمة المالية في تدني أسعار النفط وذلك على خلفية تراجع النمو الاقتصادي وبالتالي مستوى الطلب.

التركيز على التنمية
حقيقة القول، لا بد من الإشادة بقرار الحكومة بزيادة مصروفات السنة المالية 2009 بنسبة 15 في المائة عن تلك المقدرة لعام 2008 أي من 126 مليار دولار مقابل 109 مليارات دولار (وفي نهاية المطاف تم تسجيل زيادة في نفقات 2008 بواقع 27 مليار دولار). بل من شأن هذا التطور تعويض جانب من التراجع المتوقع لاستثمارات القطاع الخاص على خلفية تداعيات الأزمة المالية العالمية المستمرة. والأهم من ذلك، قررت الجهات الرسمية تخصيص 60 مليار دولار للمصروفات التنموية ما يشكل أكثر من 47 في المائة من حجم المصروفات و55 في المائة من حجم إيرادات 2009.
كما أن بمقدور الزيادة في المصروفات تحقيق جانب من الأهداف التنموية للخطة الخمسية الثامنة والتي تشمل إيجاد عشرات الآلاف من الوظائف والتي تتناسب وتطلعات المواطنين. كما من شأن زيادة المصروفات المساهمة في تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد السعودي. حسب تقرير التنافسية الاقتصادية عام 2008 والذي أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي، تحتل السعودية المرتبة رقم 27 دوليا على قائمة أكثر الاقتصادات تنافسية في العالم. وقد تقدمت السعودية ثماني مراتب في غضون سنة واحدة ما يعكس نجاح سياسيات الإصلاحات الاقتصادية والهادفة إلى جعل الاقتصاد السعودي من بين أفضل عشرة اقتصادات جذبا أو تنافسية في العالم. استنادا إلى تقرير الاستثمار العالمي عام 2008 الصادر من قبل مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أو (الأونكتاد)، استقطبت السعودية أكثر من 24 مليار دولار في عام 2007 أي الأعلى في منطقة غرب آسيا.

نتائج 2008
تشير النتائج الأولية إلى تحقيق أرقام قياسية في السنة المالية 2008. فقد ارتفعت الإيرادات بنسبة 144 في المائة من 120 مليار دولار إلى 293 مليار دولار. كما زادت النفقات بنحو 25 في المائة من 109 مليارات دولار إلى 136 مليار دولار. وعليه تم تسجيل فائض قدره 157 مليار دولار. بالمقارنة، تم تسجيل فائض قدره 48 مليار دولار في عام 2007 فضلا عن 71 مليار دولار في عام 2006 (الأعلى في تاريخ المملكة آنذاك).
وخيرا فعلت الجهات الرسمية بتوظيف جانب من الفائض المالي للتقليل من حجم المديونية العامة والتي هي محلية أصلا. وعلى هذا الأساس تراجع مؤشر الدين العام من نحو 19 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2007 إلى أقل من 14 في المائة في عام 2008. شكل الدين العام نحو 87 في المائة من الناتج المحلي في عام 2003.
تعد الميزانية العامة مسألة حساسة في السعودية لأنها تشكل نحو ثلث الناتج المحلي بالأسعار الجارية. وعليه من شأن زيادة أو تقليص النفقات العامة التأثير بكل مباشرة في المؤشرات الاقتصادية. كما تتخذ مؤسسات القطاع الخاص من الاستثمارات الحكومية التوجهات الاستثمارية للدولة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي