تصميم اقتصاد المستقبل

يأتي مقال اليوم في إطار استشراف المستقبل الاقتصادي، لأنه لم يعد كافيا أن يرى الاقتصاديون النمو الاقتصادي عبر تسجيل التبادلات التجارية ونمو الأعمال دون أن يكون لهم دور في تصميم جودة حياة الناس وحماية الأرض معا، ولا سيما أن انعكاس نتائج الأعمال على رفاهية الناس لا يزال يدور حول ملاك الفوائض المالية إلى حد كبير، كما أننا سنواجه كثيرا من الغموض حتى تتضح المجاهيل التي قد نفترضها للمستقبل الاقتصادي المنشود، وحتى ذلك الوقت علينا تصميم مستقبلنا الاقتصادي قبل أن يفرضه علينا الواقع العالمي.
هناك تغيرات كبرى ستطرأ على الاقتصاد والناس، وما لم نتحرك في اتجاه الاستعداد للمستقبل الاقتصادي، سنعاني تكلفة التحول نحو النماذج الاقتصادية الجديدة، التي تشمل أنماط العمل والوظائف وتغيرات أخرى على الاقتصاد النقدي، في ظل ظهور جيل جديد من عملات مشفرة ستعبر القارات وستخترق السياسات النقدية التقليدية.
كما ستلعب التقنية والثورة الصناعية الرابعة دورا حيويا في تحديد الطلب والعرض الكليين، كما أن معايير الكفاءة ستسيطر على أعمال الشركات في مقابل ساعات عمل أقل للموظفين، والحالة التوزيعية للدخل بين طبقات المجتمع، ستصبح أكثر عدالة.
ومستويات التركيز الذهني ستزيد في مقابل جهد بدني أقل ومهارات رقمية مقابل القوة الجسدية، ويعزى ذلك إلى خصائص التقنية التي ستفرض نفسها واقعا عالميا مرحبا به، كما أن وظائف التفكير العليا ستكون الأبرز في قائمة وظائف المستقبل، وفي مقدمتها الرياضيات والبرمجة والنانو والبيانات وذكاء الأعمال و"الروبوتات" العسكرية والمدنية والتخصصات المتعلقة بالجينات وتخصصات الطاقة البديلة وإدارة النفايات والبيئة.
أما على مستوى السياسات الاقتصادية، فستشهد تحولات عدة، ولا سيما في مجال السياسات النقدية مترافقة مع دخول عملات مشفرة إلى جميع الأسواق كعملات معترف بها في جميع دول العالم، وسيكون ذلك بعد توافق أممي شامل. ولعل عمليات الإقراض ستمنح دون فوائد للمستهلكين بخلاف قطاعات الأعمال، لتحفيز الاستهلاك الدائم وتخفيف الضغوط التضخمية للأسعار عبر تجارة الإنترنت، ومن المحتمل منح القروض للمستهلكين عبر الحدود بين الدول.
صناع السياسات الاقتصادية سيواجهون صعوبة في ملاحقة المتغيرات التي ترتبط بالمستقبل وتصميم السياسات في ضوء ذلك، لذا ليس أمامنا سوى الاستعداد للمستقبل من خلال ضخ مزيد من الاستثمارات في التقنية والأبحاث والتعليم، ومراقبة التغيرات التي تطرأ على سوق العمل، من حيث الأجور وساعات العمل، مقابل الجهد وتحفيز الاستهلاك، من خلال مزيد من الوقت للأسرة والاستهلاك، ولا سيما أن معدل النمو سيكون مدعوما بمعدل أعمار أكبر.
أخيرا، الأمر الذي سيساعدنا على تصميم اقتصاد المستقبل: مراقبة وزيادة معدل الاستثمار في التقنيات الجديدة في جميع القطاعات الاقتصادية وقياس معدلات استثمار ومشاركة القوى العاملة الوطنية في سوق العمل كمنتجين ومشغلين للتقنية، إضافة إلى نظام إحصائي متطور مدعوم بذكاء اصطناعي يساعد الاقتصاديين على وضع سياسات اقتصادية صلبة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي