مرتزقة تركيا .. تمويل قطري واستغلال للأزمة السورية

مرتزقة تركيا .. تمويل قطري واستغلال للأزمة السورية

مرتزقة تركيا .. تمويل قطري واستغلال للأزمة السورية
مرتزقة تركيا .. تمويل قطري واستغلال للأزمة السورية

ألقت الحرب أوزارها في سورية، منذ تحول الثورة السورية من السلمية إلى العسكرية، إذ أجبرت الظروف اللاعبيين المحليين على الانصياع للإملاءات الخارجية، التي كانت محركا رئيسا في الصراع وممولا له، وسرعان ما تسببت هذه الأحداث في تهجير ملايين السوريين إلى الدول المحيطة، بعد قتل وإصابة مئات الآلاف منهم، لكن أداوات الصراع السوري سرعان ما أصبحت ورقة ضغط في يد بعض الدول على المجتمع الدولي، مصدرة الصراعات الإقليمية نحو القارة العجوز، فاتحة أبواب اللجوء تارة، وأبواب الصراعات تارة أخرى، خصوصا بعد الاستثمار السلبي في حاجة المتضررين من الحروب والمحترقين بنيرانها، إذ شهدت الآونة الأخيرة بزوغ جيش جديد من المرتزقة، على غرار جماعات المرتزقة الصومالية وغيرها، لكنهم ليسوا على غرار شركات بلاك ووتر الأمريكية أو مقاتلي الفاجنر الروس أو حتى الفيلق الأجنبي التابع للجيش الفرنسي، فهم خليط عرقي يجتمع على التقارب المذهبي، لكنهم لا يتجاوزون حدود المشروع القطري التركي الإخواني، الذي رسم لهم، بهدف تنفيذ أجندات رسمت لهم في أنقرة، ومولت من حسابات بنكية في الدوحة.
بدأت تجربة جيش المرتزقة السوري بعد تدخل ميليشيا حزب الله الإرهابي بشقيه اللبناني والعراقي في سورية، خصوصا بعد تبنيهم حماية حي السيدة زينب في دمشق خصوصا مرقدها القاطنة فيه، ليتحول الصراع من قمع لإرادة شعبية مطالبة بالحرية، إلى صراع طائفي بحت، مكنت له إرادة التوسع في طهران، من منطلق التدخل في شؤون دول المنطقة، وسلب قرارها السيادي واستغلالها لجعله سلاحا مصوبا إلى البنيان العربي، وتمزيقه طائفيا، ومن هنا انطلقت شرارة المرتزقة المضادة، التي تبنتها تركيا وقطر، خصوصا أن نظام العدالة والتنمية في أنقرة يتبنى فكر الإخوان المسلمين ونهجهم، ويجب عليهم كما يرون أنفسهم أنهم أحفاد العثمانيين، استثمار هذا الصراع لحجز تذكرة في العرض السوري الدموي، والاستفادة من هذه التجربة لتوسيع حدود نفوذهما، لضرب عصفورين بحجر واحد، محاربة الثوار الأكراد، والضغط على أوروبا في ملف اللاجئين، إضافة إلى كسب حصة من الموارد والخيرات السورية، من منطلق تقسيم الحصص.
تطلبت هذه المعادلة تسويات مع لاعبين دوليين من العيار الثقيل خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، إذ سحبت واشنطن يدها عن دعم الأكراد وحمايتهم في منطقة شمال شرق الفرات، لتلعب تركيا دور الوكيل عنها في الصراع السوري، خصوصا في ظل الوجود الروسي الكبير، الذي تمخضت عنه قواعد عسكرية روسية برية وبحرية وجوية أشهرها قاعدة حميميم، التي تتسلح بمضاد الطائرات إس 400، التي تبعد نحو 400 كيلو متر عن قاعدة إنجرلك الجوية، التي تضم السرب الـ39 الأمريكي، إضافة إلى 150 رأسا نوويا نشرتها واشنطن في القاعدة، فيما تتحدث تقارير عن تخزين 50 رأسا نوويا في القاعدة حاليا، لكن أنقرة وظفت هذا التوكيل الأمريكي لمصلحتها، لتستعمل السوريين من أصحاب الحاجة، كأداة لتسوية مصالحها وتصفية حساباتها، كما فعلت إيران تماما، لكن في ظروف مغايرة وأهداف معاكسة.
تبدأ قصة تجنيد المرتزقة من مسافة صفر داخل مخيمات اللجوء في الداخل السوري، والمنطقة الحدودية المشتركة مع تركيا، التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة الموالية لأنقرة، من خلال سماسرة معتمدين للمخابرات التركية، باعتماد تجنيدهم في معسكرات مخصصة لهذا الغرض في مدينة إدلب، ومعسكرات في الأراضي التركية، إضافة إلى إغراءات بالحصول على الجنسية التركية، في الوقت نفسه يقابل هؤلاء السماسرة المقاتلين السابقين من منتسبي الجيش الحر أو الجيش الوطني، وهو ائتلاف فصائل إسلامية ومعارضة تتلقى دعما من أنقرة وتنتشر قواته في شمال وشمال غرب سورية، وهي فصائل مسلحة قاتلت ضد النظام السوري والميليشيات الإيرانية الموالية له، وهذه الفئة هي المفضلة لدى الممولين الأتراك، فهم أقل تكلفة فيما يتعلق بالتدريب على القتال واستخدام السلاح، فيما توجد فئة أكثر تميزا من المرتزقة وهم الجهاديون أو بقايا تنظيم القاعدة ومقاتلي تنظيم داعش الإرهابي في سورية، إذ يتم الاستثمار في هؤلاء المرتزقة بتكلفة أقل تكاد تكون أقرب إلى التكلفة الصفرية نظرا إلى استخدامهم كرأس حربة هجومية ذات طابع انتحاري.
يتقاضى السمسار على كل مجموعة مقاتلة يجهزها أجرا ماليا يراوح بين مائة و300 دولار، ووفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان فإن مجمل المرتزقة، الذين تم تجنيدهم لمصلحة النزاعات التي تتبناها تركيا نحو 18 ألف مقاتل منهم 300 دون سن الـ18، في حين عاد منهم نحو 600 مقاتل بعد أن انتهت عقودهم، وبحسب تصريحات الجيش الليبي فقد تم العثور على مرتزقة مقاتلة يحملون الجنسية السورية يقاتلون إلى جانب حكومة الوفاق المدعومة من قطر وتركيا، قتل منهم قرابة الـ500 شخص بينهم 34 مقاتلا قاصرا لم يبلغوا الـ18، فيما نقلت تركيا قرابة ألف إرهابي من جنسيات مختلفة إلى ليبيا، للقتال إلى جانب المرتزقة السوريين، لكن الساحة الليبية لم تقتصر على المرتزقة المحسوبين على تركيا فهنالك مرتزقة سوريون محسوبون على روسيا شاركوا في المعارك هناك، في إشارة روسية للتصدي إلى جهود تركيا في بؤر النزاع المختلفة، واقتصر عدد المقاتلين السوريين المحسوبين على موسكو على ألفي مقاتل، لكن ما يميزهم أنهم من نخبة المقاتلين في سورية، ما كبد حكومة الوفاق ومرتزقيها خسائر كبيرة.
انتشرت المرتزقة المدعومة من تركيا في مناطق الصراع التي تديرها، فكانت البؤرة الجديدة ساحة الصراع الأذري الأرمني، إذ أكدت تقارير إعلامية تسيير رحلات جوية تقل مقاتلين سوريين إلى العاصمة الأذربيجانية باكون، ليتم نقلهم إلى خط المواجهة المسلحة، إذ أكدت تقارير متلفزة سقوط قتلى وجرحى بين المقاتلين السوريين هناك، فيما ظهر أحد المقاتلين في مقطع فيديو، يطالب رفاقه المقاتلين السوريين الموجودين على الأراضي التركية بعدم تكرار الخطأ، الذي ارتكبه بالذهاب إلى معارك أذربيجان، إذ إن الذهاب إلى أذربيجان يبنى على عقود لستة أشهر، سيقضي المقاتل أربعة أشهر في أذربيجان ليعود إلى سورية بإجازة لمدة 20 يوما، ومن ثم يعود إلى أذربيجان ليكمل باقي مدة العقد شهرين، مقابل 1700 دولار تقريبا في الشهر، تدفع 1400 منها للمقاتل في مقر قيادة فصيله في منطقة حوار كلس شمال حلب عن طريق مفوض يحدده المقاتل، والمبلغ الباقي 300 دولار يتقاضاها المقاتل في أذربيجان، وتنتمي جميع العناصر التي شاركت في معارك أذربيجان إلى الجيش الرديف التابع للجيش التركي بشكل مباشر شمال حلب، الذي يضم عدة فصائل عسكرية سورية منها لواء السمرقند والفرقة 24.
انتشار المرتزقة السوريين في ليبيا وأذربيجان، أصبح أمرا مفضوحا دوليا، خصوصا في ظل السياسات، التي يعتمدها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لكن ما الهدف من نشر مقاتلين سوريين في قطر واليمن؟ إذ افتتحت الاستخبارات التركية مكتبا لتسجيل مسلحي الفصائل السورية الموالين لأنقرة، للتوجه إلى اليمن والقتال إلى جانب حزب الإصلاح الإخواني، وتفضل الجهات التركية أن يكون مقاتلوها من المرتزقة السوريين ممن ينتمون إلى فصيل السلطان مراد، فيما يمتاز مقاتلو اليمن من المرتزقة بالأجر المرتفع، الذي تقف الدوحة خلف تمويله، إذ يلامس حدود خمسة آلاف دولار شهريا، وهو راتب يفوق كثيرا ما يتقاضاه اليوم مرتزقة تركيا في ليبيا وأذربيجان، وعلى الرغم من الأجور المرتفعة في اليمن، إلا أن أغلبية المرتزقة لا يفضلون الذهاب إليه خوفا وتجنبا لقوات التحالف العربي، التي تسيطر على مفاصل الصراع هناك.
كما سبق أن أرسلت تركيا عشرات من ضباط الاستخبارات إلى اليمن تحت غطاء العمل الخيري ضمن هيئة الإغاثة الإنسانية التركية، ووصل بعضهم إلى مأرب وشبوة عن طريق منفذ شحن الحدودي في محافظة المهرة، بعد أن حصلوا على تسهيلات من متنفذين يمنيين، ويحظى المقاتلون المرتزقة المتوجهون إلى اليمن بالمرور عبر الدوحة والإقامة في قواعدها العسكرية والمعسكرات التركية، إذ يتلقون تدريبا مكثفا هناك، متسببين في مزيد من القتل والتدمير في المنطقة والإقليم، للحصول على النفوذ والمكاسب السياسية.

الأكثر قراءة