حكاية الإنسان الأزلية..!
تقول الحكاية إن إنساناً من العصور القديمة وجد نفسه محاطاً بالخطر في هذا الكوكب من كل جهة فتملكه الرعب, حتى اتجه لا شعورياً إلى أحد الكهوف لتوفر له جدرانه الحماية من هجمات الحيوانات الضارية, ويوفر له سقفه الحماية من حر الشمس والأمطار, لكنه مع مرور الوقت شعر بالوحدة فقرر أن يخرج من كهفه ليقنع أحدهم بالعودة معه ليقاسمه كعكة الأمان في ذلك الكهف.
وجد الرجل في رحلته للبحث عن الشريك امرأة ضالة مرعوبة في أحد الأودية فأقنعها بالعودة معه للعيش بأمان بقية عمرها في ذلك التجويف الصخري, فاقتنعت تحت ضغط الخوف الذي كان يتملكها لحظتها, وتزوجت به واتجها إلى عش الزوجية وأغلقا على نفسيهما فتحة الكهف بصخرة كبيرة كان الرجل يزحزحها بين فترة وأخرى ليخرج للصيد وتوفير الطعام له ولشريكته ثم يعود بعد ذلك لإغلاقها.
وانقطعت من وقتها علاقة تلك المرأة بالعالم الخارجي, وتفرغت كلياً لإنجاب الأطفال وتربيتهم داخل ذلك الكهف, مع حرصها الشديد على ألا يغادروه للحظة واحدة خوفاً عليهم من الخطر المتربص بهم.
مرت السنوات وعاش الأطفال دون أن يشاهدوا ضوء الشمس لمرة واحدة في حياتهم, وأخذت الأم تربيهم على العادات المختلفة التي تعلمتها قبل حياة الكهف وتحذرهم بشدة من محاولة التفكير في الخروج من الكهف بدعوى أن الخطر متربص بهم عند بابه, لكن الأقدار شاءت أن يتوفى رب الأسرة الكهفية الذي كان السبيل الوحيد لتوفير زاد الحياة لها, لتجد المرأة نفسها مضطرة تحت ضغط من رغبتها الشديدة في عدم خروج أبنائها من مأمنهم لأن تقوم بدور الأب, وتخرج بنفسها لجمع الطعام للأسرة.
وأخذ الأبناء يكبرون وبدأوا في التساؤل عن ماهية العالم خارج الكهف ومحتوياته, فما كان من الأم إلا أن بدأت في تعريفهم على العالم الخارجي عن طريق الوصف والمحاكاة فأخبرتهم بوجود شيء اسمه السماء يميل لونه إلى الأزرق (طبعاً لم يفهموا ما معنى الأزرق الذي تحدثهم عنه), وأخبرتهم كذلك عن وجود أشياء لا يعرفونها كالجبال والأشجار والأودية, والحيوانات الضارية, وأخذت تقلّد أصوات تلك الحيوانات وتصرفاتها ليتعرفوا عليها دون الحاجة إلى رؤيتها التي تستلزم الخروج من الكهف.
وبعد فترة ليست بالقصيرة توفيت الأم , ووجد الأبناء أنفسهم متورطين فقرر أشجعهم أن يخرج من الكهف لجمع الطعام لإخوته على سنّة أبيه وأمه, وكانت صدمته كبيرة جداً عندما أجهر عينيه ضوء الشمس وشاهد الطبيعة بمكوناتها, واكتشف أن الحيوانات التي كانت تصفها المرحومة مختلفة بشكل كبير عن الصورة التي انطبعت في مخيلته عنها, والتقى بمجموعة من الناس فأهدوه طعاماً احتفظ به وعاد إلى الكهف ليتقاسمه مع إخوته الذين لم يسبق لهم أن تعرفوا عليه.
في ظلمة الكهف أخذ الأخ الذي عاد للتو من الخارج يحرض إخوته على الخروج ويؤكد لهم أن العالم كبير وجميل جداً, وأنه ليس خطراً بالشكل الذي صُور لهم, لكنهم شكّوا في أهدافه من هذه الدعوة, واتهمه أحدهم بأنه يحاول إفساد ذكراهم عن والديهم, ويخطط لجرهم إلى الخطر المتربص بهم ليستولي على الكهف لوحده, فما كان من البقية إلا أن صدقوا هذه التهم وهجموا على أخيهم الذي أطعمهم للتو وقتلوه, ثم جلسوا مضطربين خائفين في كهفهم المغلق حتى ماتوا جميعاً من الجوع والعطش!
انتهت الحكاية هنا.. لكني لا أستطيع أن أقول لكم إنها لا تتكرر يومياً في مجتمعنا بصور مختلفة ومتعددة. فقط.. يمكنكم التلفت حولكم لتدركوا ذلك!