Author

تجّار الوهم في السعودية..!

|
ليس من الجدير بأحدنا أن يستغرب إذا علم أن أشخاصاً يعيشون بيننا قادرون حقاً على بيع الهواء للآخرين بأسهل الطرق, فطالما وجد المشتري هانت المتاعب في سبيل عقد الصفقة, وبطبيعة الحال هناك ما هو أسهل بكثير من بيع الهواء.. إنه الاتجار بالوهم الذي يجني منه ملايين الأشخاص في هذا العالم ثروات طائلة دون عناء.. فالاستثمار في هذا المجال لا يتطلب رأس مال سوى النباهة والقدرة على استشعار نقاط ضعف الآخرين وترتيب أوهامهم وأحلامهم في قائمة.. هذه هي (عدة الشغل) اللازمة لجني الملايين! أكتب هذا بعد أن علمت بخبر القبض أخيراً على مجموعة من الأشخاص في العاصمة الرياض بتهمة بيع الوهم على المعلمين والمعلمات بمبالغ طائلة! لقد أوهم هؤلاء الأشخاص ضحاياهم بقدرتهم على نقلهم وتعيينهم، وطلبوا ممن يرغب في خدماتهم أن يودع مبلغا من المال في حساباتهم البنكية، حتى قادت التحريات إلى كشف هويتهم، والقبض عليهم، ليكتشف أنهم سعوديون تتراوح أعمارهم ما بين العقدين الثاني والثالث. طبعاً لن يكون هؤلاء أول ولا آخر من يستثمرون نباهتهم في تجارة الوهم, وهم برأيي لا يُلامون بل يقع اللوم على مربي ومربيات الأجيال الذين دفعوا لهم تلك المبالغ بهدف اختراق الأنظمة, حتى وإن كان اختراقاً وهمياً, ولا أعلم حقاً مدى إمكانية محاكمة هؤلاء المعلمين والمعلمات قبل محاكمة النصابين الذين نصبوا عليهم, وقبل أن يستغرب أحد مثل هذا الطرح يجب أن أوضح أن هؤلاء الذين يفترض بهم أن يربوا أبناء الوطن على الفضيلة, لم تردعهم أخلاقياتهم ولا حتى مبادئ الدين الإسلامي التي يعلمونها أبناءنا من (دفع الرشوة) حتى وإن ضلت تلك الرشوة الطريق الصحيح! ثم لنكن منطقيين، ألا يُعتبر هؤلاء الذين دفعوا أموالهم لشراء وهم النقل أو التعيين مجرد مغفلين؟ وألا يُعتبر تصرف كهذا حماقة وسفهاً, بحيث يحق لنا إدراج فاعله ضمن (السفهاء) الذين قال عنهم الله عزوجل (ولاتؤتوا السفهاء أموالكم)؟! ثم كيف لي أنا وأنت يا قارئ هذه الكلمات أن نطمئن ونحن نسلم أبناءنا لأمثال هؤلاء كل صباح ونحن نعلم أنهم بهذه الدرجة من التغفيل والحمق؟! طبعاً كل ما سبق لا يمكن أن يجعلنا نتناسى أن هناك مشكلة حقيقية يعاني منها هؤلاء مع حكاية النقل والتعيين, لكن لو أن كل بائع أحلام متجول وجد زبائن مستعدين لدفع المال في سبيل التغلب على معاناتهم الوظيفية وأخطاء الوزارات التي يعملون بها لما بقي على هذه الأرض سوى فئتين من الناس هما فئة النصابين وفئة المنصوب عليهم وعلى الدنيا السلام! والحق أقول لكم إنني لن أستغرب أبداً إن اكتشفت أن الناس قد انقسموا بالفعل إلى هاتين الفئتين لكني سأتمنى حينها ألاّ أكون من الفئة الثانية, خصوصاً فيما يتعلق بمسألة "الدراهم" التي تصفها ثقافتنا الشعبية بـ"المراهم" القادرة على معالجة الجراح! وأتذكر هنا أن أحد الأصدقاء قال حكمة تبدو لي مقنعة إلى حد كبير بينما كنت أصفه بـ"البخيل".. تلك الحكمة هي: يمكنك أن تنسى قاتل أخيك أو تغفر له, كما يمكنك أن تسامح شخصاً اعتدى عليك بالضرب في طفولتك, لكنك لن تستطيع أن تنسى أن فلاناً من الناس وضع يده في جيبك وأخذ مالك رغماً عنك في يوم من الأيام!
إنشرها