فن التعطيل
على "تويتر" كتب المهندس خالد العثمان تغريدة قائلا، أعلن توبتي الخالصة من خوض تجربة إصدار رخصة بناء لمشروع سكن خاص مع أي من الأمانات والبلديات بعد اليوم.. من العسير فعلا أن تكون مرحلة إصدار رخصة البناء هي الأكثر تعقيدا واستنزافا بين كل مراحل العمل في أي مشروع كان.
وكنت أظن أن المهندسين المعماريين هم أقرب الناس إلى البلديات، وزارة وأمانات وأعرف الناس بدهاليزها، بحكم الألفة مع زملاء التخصص الواحد، راجعت ذاكرتي؛ فتذكرت أخبارا عن الحصول على رخصة بناء "فسح" خلال يوم واحد!
لا أعلم ماذا حدث لها، ألم تنفذ، أم توقفت عند حدود النية؟ فهل يعقل أن يحتاج إصدار فسح أو رخصة بناء سكن خاص إلى تعطيل أشهر، يحدث هذا ولدينا أزمة سكن! ولم يكن مثله يحدث أيام العمل الورقي وانتظار مساح البلدية على الطريق تحت أشعة الشمس.
أعد هذا من فنون التعطيل وهو الوجه الآخر الإداري الخافي في زمن شيوع الحالة الافتراضية، وهو هنا نموذج لحالة فردية صحيح لكن بما أنها حدثت لمن لديه خبرة ودراية فكيف بما يحدث لمواطن عادي؟ وهنا يبرز احتمال تفشيها، إلا إذا كشفت لنا الجهة المعنية أسباب مقنعة.
التعطيل له فنون أيضا، تعتمد على "مهارات" الموظف العام. إذ أصبح في وضع مهاري أفضل من السابق بعد حصوله على "درع" الخدمات الإلكترونية، فالتحول الإلكتروني يا سادة، لا يعني استبدال الملف الأخضر العلاقي بفلاش علاقي.
لذلك يفترض عدم إعلان خدمة إلا بعد اكتمالها وتجربتها ونجاح هذه التجربة واستمراريتها، أما الاعتزام على عملها ونشر خبر بذلك فهو يضر بصورة الجهة عند اكتشاف عدم إنجازه.
لو تتبعنا فنون وصنوف التعطيل، لحققنا اختراقا كبيرا يصب في تقدم التنمية، ويسهم في حل كثير من المعوقات، لأن أغلب الأخيرة ليس ناتجا من عدم توافر موارد أو نقص في الجهود، بل الاحتمال الأقرب هو تعاكس وتضارب الجهود، وإذا كان للموظف التنفيذي القدرة على التعطيل بطلبات بالتقسيط الممل، فكيف بالموظف الأعلى مرتبة في الإدارة الوسطى أو العليا، حيث تبرز خبرة التعطيل بشكل أكثر احترافية وبمسوغات قد تبدو للوهلة الأولى وجيهة، تستخدم فيها اللجان والمحاضر واعتراضات عليها، ليدخل قرار أو توجه عام ينتظر المواطن جني ثماره إلى مربع التجميد أو التعليق.