أمثال اقتصادية «3»

الأمثال مرآة صادقة للحكمة ومستودع آمن للتجارب الإنسانية، كما أنها تختزل الخبرات الفردية والجماعية وتحمل قيما اجتماعية سامية. ألف فيها كثير من الكتب والمصنفات مثل كتاب، "الأمثال" للمفضل الضبي وكتاب "مجمع الأمثال" للميداني، كما اهتم بها المستشرقون وجمعوها في مؤلفات خاصة لعلمهم أنها تمثل طبيعة الأمم وأنماط تفكير أهلها وتاريخهم وثقافتهم، ومنهم الهولندي سنوده هورخرونيه المتوفى عام 1936 الذي ألف كتابا عن أمثال أهل مكة المكرمة. ومن الأمثال المتعلقة بالتجارة قولهم "قدر الشراكة ما يفوح" ويضرب هذا المثل ليوضح بإيجاز أن الأمر إذا كان المسؤول عنه أكثر من شخص فإن مآله الفشل، إذ لا بد من تحديد المسؤولية حتى لا يتكل البعض على البعض الآخر، وهذا أيضا شأن الشراكة في التجارة فإن مصيرها الخسارة ما لم يكن هناك توضيح كامل لمهام كل واحد من الشركاء. وقريب من ذلك قولهم "إذا كثروا الرعيان ضاعت الغنم"، وهذا أمر يتماشى مع الواقع، إذ إن راعيا واحدا سيكون كل همه متابعة الغنم على خلاف ما إذا كان هناك أكثر من راع لها، فقد يتكلون على بعض أو قد يكون لكل منهم طريقته الخاصة في رعاية الغنم فيكون المصير ضياع الغنم. ومن الأمثال التي تحث على بذل الجهد والاعتماد على النفس في تحقيق المصالح وعدم الاعتماد على الآخرين قولهم "إلي ما يغبر شاربه ما يدسمه"، وجملة "إلي ما يغبر شاربه" كناية عن العمل وبذل الجهد، و"ما يدسمه" كناية عن الغنى ورغد العيش الذي وصف هنا بالدسم الذي سيناله الشخص المجتهد البعيد عن الكسل. ومن الأمثال الجميلة التي تدعو إلى التوكل على الله مع بذل السبب قولهم "انثر حبك وتوكل على ربك" أي إذا نويت الإقدام على أمر ما كالتجارة مثلا أو الزراعة أو غيرها فاتخذ الأسباب التي تدعو إلى نجاح ذلك الأمر "انثر حبك" وبعدها أحسن الظن بالله والتوكل عليه في أن يؤتي هذا الجهد ثماره، إذ إن عملية نثر الحب وحدها ليست كافية لضمان النجاح فقد يأكله الطير أو تذروه الرياح، ومن هنا تأتي أهمية التوكل على الله في النجاح أو في قبول النتائج أيا كانت بعد اتخاذ الأسباب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي