صانع السلام

سامي بن عبدالعزيز العثمان

على امتداد مظاهر الصراع بين الأمة العربية والكيان الصهيونى كانت هناك مآخذ كثيرة من طرف الكثير من الدول ومن قادتها تقوم على أساس افتقاد الأمة العربية لتصور كامل لعملية السلام في منطقة الشرق الأوسط ، بل إن هذه المآخذ قد تحولت عند حالات كثيرة إلى التجني على طبيعة الحقوق العادلة والمشروعة للشعب الفلسطيني وكل الأمة العربية والإسلامية ,حيث عزمت الجهات ذات المصلحة في الإبقاء على ذلك الصراع ملتهبا ومستمرا على وتيرة واحدة تقول بأن الدول العربية لا تريد سلام .
إن الأصل في كل الحروب والصراعات يختفى وراء عبارة إحلال السلام باعتبارها الهدف النهائى لكل صراع، لكن عملية السلام لا تكون منصفة للتاريخ والجغرافيا إلا عندما تبنى على تكريس الحقوق المشروعة للدول والشعوب، فالسلام الحقيقي لا يقوم على أساس التسليم بالظلم مهما كانت نتائجه وطبيعته وإنما هو مناهض له فى إطار التصحيح لمساره التاريخى والكيانى.والأمة العربية والإسلامية تعرضت فى تاريخها الحديث لأبشع عملية ظلم تضافرت عدة عوامل تاريخية وسياسية وإستراتيجية لتكريسه , كما تؤكد وقائع اغتصاب فلسطين السلبية والعبث بحرمات القدس الشريف واحتلال الأراضي العربية بقوة.
وامتدادا لذلك فإن حركة التاريخ العربى والإسلامى الحديثة قد تمحورت خلال ربع القرن الأخير عند مقومات ذلك الصراع الذى يقوم فى جوهره بين أمة تدافع عن حقها فى الوجود المتحرر وبين كيان صهيونى مغتصب يريد أضعاف ذلك الوجود والنيل من مقومات الأمة ضمن مخطط إستعمارى بعيد المدى ولهذا السبب نفسه كانت حروب الدول العربية المتكررة ضد غطرسة الكيان الصهيونى للحد من أطماعة التوسعية وتصحيح تاريخ المنطقة الذى يعنى إنصاف الحقيقة من خلال إقامة الدولة الفلسطينية على أرض الشعب الفلسطينى من نجس ودنس الصهاينة.
وفى هذا السياق جاءت مبادرة خادم الحرميين الشريفيين لتنعش الآمال فى إقامة سلام دائم فى المنطقة يقوم على المشروعية والعدل والإنصاف ومناهضة الإستعمار سواء من حيث التوقيت أو من حيث المضمون أو من حيث الدلالات،فإن مبادرة الملك للسلام قد استطاعت أن تستقطب إهتمام العالم برمته , لا كمجرد مبادرة سلمية محددة بأهداف وبنود وإلتزامات ولكن كمبادرة جريئة استهدفت تصحيح مسار التاريخ والانتقال بالصراع إلى مستواه الحضارى حيث بينـت عن رغبة حقيقية للأمة العربية فى دفع عجلة السلام باتجاه التطور المنشود .
فمن حيث التوقيت جاءت المبادرة فى مرحلة عم فيها اليأس واختلطت فيها المواقف وأشتد فيها كذلك الصراع إلى درجة أصبح فيها السلام والأمن الدولى عرضة للكثير من المخاطر،لأن كل المحاولات السابقة للسعى السلمى قد إصطدمت بعراقيل حقيقية إما نتيجة قصورها أو ضبابية تصورها أو افتقادها لمقومات التمثيل الموضوعى لحركة التاريخ ولم تجيء مبادرة العاهل السعودى لتؤكد تلك الرغبة العربية فى السلام فحسب وإنما لتوضح أن هذه الأمة وبما تملكه من تقاليد حضارية قادرة على الإسهام فى صياغة القرارات المصيرية حيث لم تعد تقف عند موقع تلقى المشروعات ومناقشتها وإنما انتقلت إلى مستوى طرح تصوراتها لعملية السلام .
أما من حيث المضمون فإنه بخلاف كل تلك المحاولات التى سبقتها وهو الواقع الذى يقوم على منطلق إلتزام الدول العربية بخطة ثابتة للسلام تستوحى قوتها وتستلهم عظمتها من مباركة الإجماع العربى لها كما أكدت ذلك قرارات قمة الكويت حيث ولأول مرة يخرج العالم العربى بتصور موحد لعملية السلام ولأول مرة يكون ذلك التصور فى مستوى الأحداث التاريخية الكفيلة بإحقاق الحق ومناهضة الظلم .
أما الأبعاد العميقة اللهجة المتشددة التى خاطب بها العاهل السعودى الصهاينة عندما وجه خطابه السياسى لهم وقال بأن الفرصة السلمية لن تنتظر على الطاولة كثيرا.
إذا لنتفق أن مبادرة الملك عبد الله وبهذا المعنى هى مبادرة لتحقيق السلم والأمن الدائم فى المنطقة وبذلك فقد كانت وستضل خطوة رائدة على صعيد أخذ المملكة لزمام المبادرة فى إدارة الصراع بالمنطقة .

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي