Author

مستقبل الجامعات في تأهيل القدرات الصناعية

|

أستاذ الطاقة الكهربائية ـ جامعة الملك سعود

[email protected]

على الرغم من مضي أعوام عديدة على إنشاء الجامعات والمعاهد السعودية إلا أن الفجوة تظل عميقة بين مخرجات التأهيل الأكاديمي وما تتطلبه سوق العمل الصناعية من مؤهلات وقدرات تلبي متطلباتها وتحدياتها، الأمر الذي أدى إلى وجود بطالة بين أوساط الخريجين أضحت تشكل علامة غير إيجابية في خريطة الصناعة. عندما نتأمل ونتقصى الأسباب التي أدت إلى ارتفاع معدلات البطالة نجد أن التضخم في بعض التخصصات الجامعية غير المرغوبة صناعيا، إلى جانب ضعف أو عدم كفاية البرامج الأكاديمية بما لا يلبي رغبات الصناعيين، قد أسهما في زيادة معدلات البطالة بين أوساط الخريجين كما أنه لم يلب احتياجات القطاع الصناعي لقدرات صناعية مؤهلة. من جانب آخر، دأب بعض الجهات الصناعية على تأهيل الخريجين من خلال استحداث منصات تعليمية جديدة بعد التخرج بما يعرف بالتدريب على رأس العمل ما يضيف تكاليف مالية وأعباء إدارية مثل ما نشاهده في أكاديميات تتبع لبعض القطاعات الصناعية، والبعض الآخر منها سلك طريقا سلبيا تمثل في توظيف وتشغيل العنصر الأجنبي. من هنا نرى بوضوح أن الوضع الراهن يتمثل في وجود فجوة بين مخرجات التأهيل الأكاديمي وسوق العمل الصناعية، يضاف إلى ذلك ضعف وتدن في تطوير وتحديث أغلب البرامج الأكاديمية بصورة دورية، إلى جانب عدم مواكبة عجلة الصناعة وتطوراتها المستجدة. إن ضعف تأهيل أغلب خريجي الجامعات يؤدي بالصناعة إلى الاستعانة بغير السعودي أو تأهيل الخريج السعودي مرة أخرى من خلال تدريب عملي أو ابتعاث قصير. وهنا ربما نتساءل: من الذي يبدأ بالمبادرة يا ترى؟ هل الصناعة تتجه نحو التعليم أم التعليم يتجه نحو الصناعة؟ بلا شك أن الكل يسعى وبكل جهده وقدراته الذاتية والبشرية نحو تحقيق رؤية المملكة 2030. وتقع عليهما معا المسؤولية للوصول إلى حلول مثلى نحو تحقيق تلك الرؤية وتعزيز أهدافها ومراميها.
بالنظر إلى جامعاتنا الناشئة فإننا نجد أن أغلبها - إن لم يكن كلها - لا يزال يخطو وببطء نحو الخروج برؤية واضحة تخدم الصناعة المحلية. ولعل المبادرة الأهم تنبع من خصخصة التعليم الجامعي حيث يقوم القطاع الصناعي بتبني بعض تلك الجامعات سواء الناشئة منها أو المتطورة بحثيا، ولعل أبرز مثال لذلك ما حصل مع جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وهي التي تمتلك تاريخا ثريا في التعليم الأكاديمي والبحث العلمي، وذلك من خلال تسلم وزارة الطاقة رئاسة مجلس إدارة الجامعة وشركة أرامكو السعودية إدارة الجامعة، وبذلك تخرج هذه الجامعات من مظلة وزارتي التعليم - متعهد تنظيمي - والمالية - متعهد مالي -، لكن من الضروري رسم خريطة زمنية تدريجية كي تمتلك الشركة الصناعية زمام إدارة الجامعة. تجدر الإشارة إلى تبني وانتهاج بعض الجامعات الأمريكية مثل هذا المسار كجامعة كولورادو للتعدين المختصة في علوم الهندسة والعلوم التطبيقية مع التركيز على الأبحاث المتعلقة بعلوم الأرض والطاقة والبيئة. وعليه، تستهدف الجامعات الناشئة، بشكل أخص الصناعات الاستراتيجية، مثل: الطاقة والمياه والبتروكيماويات والغذاء والدواء والإسكان والأمن والاتصالات وتقنية المعلومات والخدمات البنكية والمصرفية وغيرها، أو ما درج في برنامج تطوير الصناعات الوطنية والخدمات اللوجستية، مثل: تحلية المياه والاستزراع المائي والتعدين والطيران والصناعات العسكرية وغيرها. ويحق للشركة المعنية بالنشاط الصناعي إعادة هيكلة الجامعة وتشغيلها بما يخدم مصالح وتوجهات الوطن الصناعية، ومنها إنشاء معامل الأبحاث الخاصة بها واستقطاب الكفاءات الفنية المؤهلة التي تراها مناسبة وفتح البرامج الأكاديمية التي تخدم الصناعة المستهدفة وغيرها. وعندئذ سيتحسن ويتطور حتما أداء البحوث والبرامج البينية الذي يعاني ضعفه وتدنيه أغلب جامعاتنا حاليا.
أما في عموم الجامعات التي ستظل تحت إشراف وإدارة وزارة التعليم، لا شك أن الصناعة تلعب دورا محوريا من خلال مشاركة القطاع الصناعي في مراجعة البرامج الأكاديمية دوريا واقتراح ما يفيد من رفع أداء البرامج أو يسهم في استحداث خطط جديدة. كما أن قيام القطاع الصناعي باستقطاب عدد من أعضاء التدريس المؤهلين والتكفل بهم سيعزز أداء البرامج الأكاديمية والبحثية وذلك من خلال التواصل المستمر واللقاءات المباشرة. إن مشاركة بعض أهل الاختصاص من الصناعة من ذوي الخبرة العملية في التدريس ستضيف قيمة جديدة في المناهج الأكاديمية، وبالمثل فإن انضمام عضو هيئة التدريس أو الباحث إلى القطاع الصناعي مدة من الزمن سيفتح أبوابا بحثية وتطبيقات عملية في المقرارت الأكاديمية. ومن المجدي انضمام بعض الصناعيين من ذوي الخبرات والمراس الطويل كأعضاء في مجالس الجامعات، وكذلك تفعيل دورهم في مجلس الأمناء في الجامعة من أجل حوكمة الأداء وربط البرامج الأكاديمية بالصناعة. ولا ننسى أن تفعيل دور المجالس الاستشارية من أهل الصناعة في الأقسام والكليات ضروري لمراجعة الرؤى والخطط والاستراتيجيات. وأخيرا رفع مستوى التدريب للطلاب في القطاع الصناعي.
إن عملية التفاهم والتعاون والتنسيق بين قطاعي التعليم والصناعة ستتمخض عن مكاسب ومزايا لكلا الطرفين. لذلك ركزت رؤية المملكة 2030 في خططها الاستراتيجية وبرامجها الوطنية على ردم الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل الصناعية، وفي الوقت ذاته أتاح نظام الجامعات الجديد كثيرا من المرونة والسهولة في هذا التوجه، وأعطى الصلاحيات للجامعات في البحث عن موارد دخل جديدة. حيث تكون نتائجها اجتثاث البطالة أو على الأقل تخفيض نسبها إلى الحد الأدنى، الأمر الذي سيؤدي - بعون الله - إلى إيجاد كوادر وطنية مؤهلة وتنام وازدهار في الصناعة والاقتصاد الوطني.

إنشرها