فن الجرافيتي يسهم في الدفاع عن غزة
العالم العربي في بعض أجزائه يعيش محنة الخذلان لنصرة قضيته الدينية وهي تحرير المسجد الأقصى, وفلسطين وغزة على وجه الخصوص تزيل الرماد الفسفوري عن أشلاء ضحاياها تحت المنازل المدمرة بوحشية لم يشهد لها مثيل نتيجة آلة الحرب الإجرامية الصهيونية التي تتحدى العالم ومواثيقه وقرارات مجلس الأمن, وتدوس على جميع ما يقال إنها جمعيات حقوق الإنسان, فهي تعي جيدا أن الصوت العالي هو للمجرمين في زمن الانكفاء العربي, والخذلان القيمي!! ما عدا غزة ذلك القطاع الذي يرفض الاحتلال, ويرفض الخنوع, ويرفض الاستسلام تحت أي اسم. لهذا بوحشيتهم يريدون إسكاتها, وقتل أهلها تحت منازلهم واغتيال أطفالهم, لكن الأسطورة تتحقق, فكلما ازدادوا وحشية للتدمير, تولدت الإرادة واليقين في نصر من الله لصاحب الحق, هناك في تلك المنطقة التي أسقط عليها من الحمم ما حول ليلها إلى لهب أحمر تخترقه القنابل الفسفورية تسقط اللهب والموت وجدوا أن هذه الحمم تزيد همم الجميع, فهناك المرأة والطفل بألف رجل!! هناك الأبطال يولدون وينشأون ويكبرون, بيوتهم مدمرة لكن عزيمتهم شامخة بل أكبر من أعلى ناطحة سحاب في العالم أو أطول من أبراج الخليج!!
في هذه الأيام من التمزق العربي, والتشتت العقائدي للضعفاء فقط, نجد أن الموجة التي تحاول أن تثبت وتبقى على الطريق إلى الحياة بكرامة تسعي بكل الوسائل إلى أن تسهم في إيضاح حقيقة القضية الفلسطينية بعيدا عن أروقة الأمم المتحدة, واجتماعاتها, فنجد أن السياسيين يحاولون إيجاد قنوات لبناء وإعمار قطاع غزة, ولملمة جراح أطفالها, وتوفير ما يقال إنها مساعدات غذائية وصحية واجتماعية, فالكارثة هناك فوق التصور, ولكن بعض إعلامنا العربي لا يظهر سوى النزر اليسير, بل بعض هذا الإعلام لا ينشرها إلا في الصفحات الداخلية!! وكأنها حوادث الطرق التي تعودنا عليها!! أو كأنها تحدث لأناس لا يمثلون لنا وحدة الدم والتاريخ والأهم وحدة العقيدة!! رغم كل هذا الحصار الإعلامي الذي سبقه حصار اقتصادي عانى منه الأبرياء هناك عقوبة لهم أنهم اختاروا طريق الكرامة والتحرير, وتلك لغة لا يفهمها من خسر عقيدته وإبائه, ولا يستوعبها من لا يرى سوى موطئ قدميه!!
ولكن رغم هذا الحصار المتعدد الجهات نجد هناك حركة تغييرية غير عادية يمر بها الإنسان المسلم والمسيحي, حيث وحدتهم هذه الحرب الصهيونية الإجرامية بأسلوب غير متوقع, وكما سرقت الصهيونية الإعلام الغربي, واعتسفت الحقائق, فإن الجهود التي يبذلها المخلصون المؤمنون بالتحرر من التخاذل, ويدركون ماذا يحمل النصر القادم من تضحيات, من هذه الأمثلة التفاف العديد في الشارعين العربي والغربي لتوضيح ما هية القضية الفلسطينية: تاريخها, مآسيها, وحق أصحابها في استرداد الأقصى ثم في تحرير الأرض, ثم العيش بسلام مبني على حقهم في الحياة وليس سلاما تحت لهب القنابل الفسفورية والأسلحة المحرمة!!
من هؤلاء الفنان محمد علي أريسول أرابيك البريطاني وما يقوم به من تحويل هوايته في فن الجرافيتي GRAFFITI وهو الفن الذي يعتمد على الرسم على الجدران وهي حركة فنية بدأت في أواخر الستينيات في نيويورك أصبح لها روادها وناقدوها وأبرز مظاهرها الجداريات العشوائية في محطات القطار ومترو الأنفاق في مدن أوروبا وأمريكا, هناك من ينتقدها لأنهم يرونها أنها (فن الشخبطة وانتهاك حرمة العين, وتشويه المنظر الجمالي لجدران المباني المرتفعة خصوصا إذا ما اتخذت هذه الرسوم منحي إباحيا أو سياسيا, ولكنه يظل نوعا من التعبير عن مرئيات الشباب الذين يعشقونه وفنانوه غالبا هم من الشريحة العمرية من (18 إلى 30 سنة).
قام هذا الفنان الجرافيتي البريطاني وهو في أوائل سنواته العشرين باستبدال هوايته في هذا الفن من أن تكون (خربشة) كما يقال إلى أن تصبح وسيلة لتوعية الشارع البريطاني عن قضايا سياسية وإسلامية وتوعية عامة. فقد قام بتخصيص آخر أعماله من أجل نشر التوعية عن قضية غزة في الشارع البريطاني ابتداءً من مدينته برمنجهام, في أحد الشوارع المكتظة بالسكان المسلمين منهم والبريطانيين, وشاركه في العمل بعض الشباب المسلمين, إضافة إلى فنانين جرافيتيين بريطانيي الأصل ممن لديهم اهتمام بهذه القضية, وحولوا الجدار الكبير المساحة بعد الحصول على تصريح من صاحب المبني بالقيام بتحويله إلى لوحة جدارية ضخمة تحكي قصة غزة من خلال الرسوم المعبرة والعلم الفلسطيني وفي جزء منها اللهب المتصاعد من مباني القطاع المدمرة. قد يعتقد البعض أنها مجرد رسمة أو مجرد بخاخات ملونة على جدار زقاق أحد الشوارع البريطانية لكن بالنسبة لمحمد علي ومن ساعده كانت وسيلة معبرة ولافتة للنظر وأنها طريقته لتعريف البريطانيين بقضية قد يجهلونها بكافة تفاصيلها وحقيقتها, خصوصا عندما تعمل وسائل الإعلام هناك جاهدة كي تخفي معالم تلك الحرب الإجرامية. اختار الفنان محمد علي أن تكون رسالته. والصور التي رسمت على هذه الجدارية جذبت عديدين كي يجدوا الفنان ومعه أصدقاءه يشرحون الحقائق في غزة كما كانت ولا تزال. وكما يقول في "الفيس بوك" الخاص به حيث نشرت الصور: (قد يتجاهلون البحث عن المعلومة الصحيحة وقد يتجنبون محطات الإذاعة الصحيحة وقد يغضون أبصارهم عما يبث في الأخبار ولكن استحالة أن يمر شخص أمام جدار بحالة ولا يتوقف للحظات ويسأل نفسه ما غزة؟ وما الحكاية؟ ولماذا قام أحدهم ببذل كل هذا المجهود من أجلها؟
عندما سئل: ما الدافع الأساس الذي جعله يقوم بهذا العمل على الرغم من معرفته أنه لن يستفيد منه أهالي غزة؟ قال إنه مل وسئم عيش البريطانيين والغربيين في عالم آخر وحان الوقت أن ينتقل هؤلاء من كوكب الجهل إلى كوكب الواقع. أي كما يقول: (حان وقت إيقاظ هذا الشعب).
دور الشرطة هناك في هذه الفعاليات, بعد أن تأكدت من وجود التصريح, أن بقيت لا لتدمر الجدارية ولكن تحافظ على سلامة الوضع فقط!!