أسعار النفط في دائرة مفرغة من التقلبات .. انخفاض المخزونات مقابل تسارع الجائحة والتوترات

أسعار النفط في دائرة مفرغة من التقلبات .. انخفاض المخزونات مقابل تسارع الجائحة والتوترات
الأسواق العالمية تتطلع إلى استمرار التحسن الذي تحقق بشأن انخفاض مستوى المخزونات.

تراجعت أسعار النفط الخام مجددا عقب بيانات ضعيفة للاقتصاد الأمريكي، وكرد فعل على استمرار ارتفاع الإصابات بفيروس كورونا في العالم ما يهدد بمزيد من الضغوط الهبوطية على الطلب العالمي على النفط الخام والوقود ويتزامن ذلك مع تأهب منتجي "أوبك +" لتخفيف قيود خفض الإنتاج مطلع الشهر الجديد.
وتتجه الأنظار بشكل خاص إلى أداء العراق ونيجيريا في الشهر المقبل حيث من المفترض أن يقوما بإجراء تخفيضات إنتاجية تفوق حصص الخفض المتفق عليها في نيسان (أبريل) الماضي لتعويض زيادات سابقة في الإمدادات وتشير بيانات اقتصادية إلى أن الإنتاج العراقي ما زال مرتفعا بينما تعهدت نيجيريا بالالتزام بكامل حصتها من خفض الإنتاج وفقا لتفاهمات "أوبك +".
ويقول لـ«الاقتصادية»، مختصون ومحللون نفطيون، إن الانخفاض القياسي للمخزونات النفطية يدعم الأسعار في مقابل تأثيرات الجائحة والتوترات الأمريكية الصينية، مشيرين إلى أن أسعار النفط الخام لا تزال تدور في دائرة مفرغة من التقلبات المتتالية ولكن كثيرا من مخاطر الهبوط لا تزال قائمة إلا أن الأسعار تلقت بعض الدعم من بيانات إدارة معلومات الطاقة التي رصدت تخفيضا كبيرا في مخزونات الخام بانخفاض قدره 10.6 مليون برميل.
وذكر المختصون أن تراجع المخزونات لم يكن كافيا لرفع أسعار النفط الخام بسبب الضغوط الهائلة التي تواجهها السوق من جراء عودة الإصابات السريعة بجائحة كورونا وتهديدها المستمر لتعافي الطلب على الوقود إلى جانب تأثير التوترات المستمرة في العلاقات الأمريكية - الصينية.
وفي هذا الإطار، يقول مفيد ماندرا نائب رئيس شركة "إل إم إف" النمساوية للطاقة، إن الأسعار مالت إلى الانخفاض بسبب تأثير الجائحة إلى جانب تأهب المنتجين لتخفيف قيود خفض الإنتاج بإضافة نحو مليوني برميل يوميا ابتداء من بداية آب (أغسطس) المقبل، مشيرا إلى أن الوضع الوبائي المتأزم يجعل صورة الاقتصاد العالمي أكثر ضبابية بسبب ارتفاع المخاطر وصعوبة التنبؤ بتطورات الوضع الاقتصادي، خاصة ما يتعلق بالحفاظ على معدلات نمو إيجابية.
وأضاف أن السوق تتطلع إلى استمرار التحسن الذي تحقق بشأن انخفاض مستوى المخزونات حيث يأمل التجار في عودة سريعة للمخزونات إلى المستويات الطبيعية عند المتوسط في خمسة أعوام معتبرا أن استمرار تقلص المخزونات سيعزز المكاسب السعرية إلى أعلى من المستوى الحالي الذي يدور حول 40 دولارا للبرميل وهو ما يحتاج إلى انتعاشة قوية ومتواصلة في نمو الطلب.
من جانبه، يرى فيتوريو موسازي مدير العلاقات الدولية في شركة سنام الإيطالية للطاقة أن الاقتصاد العالمي عامة وسوق الطاقة الأحفوري بوجه خاص يواجه تحديات واسعة، خاصة مع تراجع التفاؤل المحيط بإعادة افتتاح الاقتصاد على الرغم من تسجيل أعلى وتيرة للسحب من مخزونات النفط الخام منذ عام 2019.
ولفت إلى أن تعافي الطلب وتراجع مخاطره له الكلمة العليا في تعافي السوق وهو ما يأمل كل أطراف الصناعة في تحققه خلال الفترة المقبلة خاصة بعدما شهدت الولايات الرئيسة مثل تكساس وفلوريدا وكاليفورنيا انخفاضا نسبيا من الإصابة بالعدوى مقارنة بالذروة الأخيرة ما يبشر باحتمالية تراجع مخاطر الطلب من التباطؤ المحتمل أو الإغلاق المستهدف لكن احتمال حدوث موجة ثانية في وقت لاحق من العام لا يزال يمثل مخاطر تلوح في الأفق.
ويضيف، أندرو موريس مدير شركة بويري الدولية للاستشارات أن بعض المؤشرات الإيجابية بدأت تظهر في السوق مع انتعاش الطلب على البنزين وانخفاض المخزونات وهو ما يبشر بتعاف تدريجي في الأسعار وتطور معنويات السوق إيجابيا من أسبوع إلى آخر لافتا إلى تقديرات دولية ترجح تضييق الهوة بين العرض والطلب بشكل لافت خلال النصف الثاني من العام الجاري.
وأكد أن مراقبي السوق يأملون ألا يؤدي تخفيف تخفيضات إنتاج "أوبك +" إلى فائض متجدد في العرض للأشهر الأربعة المقبلة مشيرا إلى أن "أوبك" ووكالة الطاقة الدولية يقدران تعافيا ملموسا ومؤثرا في مستويات الطلب خلال الأشهر المقبلة كما أخذت "أوبك +" قرار تخفيف قيود الإنتاج بناء على حاجة الأسواق المحلية لدول الإنتاج إلى مزيد من الاستهلاك في أشهر الصيف.
بدورها، تقول مواهي كواسي العضو المنتدب لشركة أجركرافت الدولية، إن سوق النفط مثقلة بأعباء عديدة تكبح فرص تعافي الأسعار إلى مستويات معززة للاستثمار كما تمثل التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين جرس إنذار باحتمالية حدوث تغير واسع في أسواق الطاقة العالمية، خاصة في ضوء محاولات لفصل العلاقات الاقتصادية والتجارية المتداخلة بين أكبر الاقتصادات في العالم.
وأضافت أن تجارة الطاقة بطبيعتها عالمية وليس من السهل إنهاء العلاقات الدولية بسبب سلاسل التوريد المتشابكة، مشيرة إلى أن الصين تحديدا تلعب دورا كبيرا في تدفقات الطاقة باعتبارها ثاني أكبر مستهلك للنفط الخام في العام ولا يمكنها عمليا وقف مشترياتها من النفط الخام والغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة - بحسب تقارير دولية أبرزها أويل برايس - حيث تسعى بشكل مستدام إلى التركيز على استراتيجيات تعزيز أمن الطاقة من خلال تحفيز إنتاج النفط والغاز والفحم المحليين والسعي إلى تقوية تحالفاتها الدولية لضمان احتياجاتها من الطاقة.
من ناحية أخرى وفيما يخص الأسعار، هوت أسعار النفط أمس عقب بيانات ضعيفة للاقتصاد الأمريكي وتغريدة من الرئيس دونالد ترمب بدا يحض فيها على إرجاء انتخابات الرئاسة المقررة في تشرين الثاني (نوفمبر) .
وقلصت أسواق النفط خسائرها الحادة، وبحلول الساعة 17:00 بتوقيت جرينتش أمس، كانت العقود الآجلة للخام الأمريكي غرب تكساس الوسيط منخفضة 1.25 دولار بما يعادل 3 في المائة إلى 40.02 دولار للبرميل بعد أن نزلت أكثر من 5 في المائة في وقت سابق من الجلسة. وانخفض عقد خام برنت، الذي يحل أجله اليوم الجمعة، 95 سنتا ليسجل 42.80 دولار للبرميل.
وقال جون كيلدوف، الشريك لدى "أجين كابيتال" في نيويورك، "قد تخيم ضبابية سياسية خطيرة في الولايات المتحدة إذا أثيرت الشكوك حيال مواعيد الانتخابات.
وارتفع الخامان القياسيان، الأربعاء، بعد أن أعلنت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أكبر انخفاض في أسبوع واحد في مخزونات الخام في الولايات المتحدة منذ كانون الأول (ديسمبر).
وقال جيفري هالي المحلل لدى "أواندا": "كان يجب على النفط أن يبلي أفضل من ذلك بكثير بعد الانخفاض الضخم في مخزونات الخام الأمريكية بما يزيد على عشرة ملايين برميل، وكذلك العوامل المواتية من دولار أمريكي أضعف بكثير".
وأضاف: "ربما يرجع الأمر إلى أن أسواق النفط تضع في الحسبان مخاطر أعلى من تراجع اقتصادي في الولايات المتحدة وأماكن أخرى بسبب كوفيد - 19".
وارتفعت مخزونات البنزين ونواتج التقطير، التي تشمل الديزل وزيت التدفئة، في مقابل توقعات بانخفاض المخزونات، ما يسلط الضوء على الطبيعة غير المستقرة لانتعاش الطلب على الوقود في أكبر مستهلك في العالم للخام.
وتجاوزت الوفيات بكوفيد - 19 مستوى 150 ألف حالة في الولايات المتحدة، أمس الأول، بينما تسجل البرازيل، ثاني أسوأ مركز للتفشي في العالم، أرقاما قياسية لأعداد الإصابات المؤكدة والوفيات. وبلغت الإصابات في أستراليا مستوى قياسيا.
وتأتي الضربة المحتملة لتعافي الطلب في الوقت الذي تتأهب فيه منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" وحلفاؤها، فيما يعرف باسم مجموعة "أوبك +"، لزيادة الإنتاج في آب (أغسطس)، ما يضيف نحو 1.5 مليون برميل يوميا إلى الإمدادات العالمية.
من جانب آخر، حجبت منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أسعار سلتها أمس، بسبب عطلة عيد الأضحى المبارك.

الأكثر قراءة