أنظمة مضى عليها نصف قرن
أنظمة مضى عليها نصف قرن
تخرج من الجامعة وعاد إلى الرياض يحمل شهادة الليسانس، لم تعيه الحيلة في البحث عن وظيفة فقد عاد في زمن كانت الدولة تستبشر بكل متعلم ويعين خلال ساعات، انخرط الشاب في إحدى الجامعات معيداً ثم ابتعث إلى بريطانيا للحصول على الماجستير والدكتوراة ومضت خمس سنوات وعاد بالدكتوراة واندمج في الجامعة بين أعضاء هيئة التدريس, إذ كان معظمهم آنذاك من الأعلام الفطاحل في تخصصاتهم من العالم العربي, عراقيين وسوريين ومصريين وأردنيين.
يحاول الشاب أن يكون نداً لهؤلاء الأفذاذ ومن هنا بدأ في القيام بأنشطة كانت الجامعة تفتقدها وأضاف إلى التخصصات تخصصاً جديداً لم يكن ضمن المناهج التي تدرس في الكلية لأنه تخصص نظري وعملي في الوقت نفسه وكان من اللازم استمالة الطلاب إلى هذا التخصص قبل البدء في وضع المنهج الدراسي، فأنشأ جمعية تهتم بالمحاضرات الثقافية والرحلات ونجح المشروع فأصبحت الحاجة ملحة إلى وضع خطة التخصص الجديد ووافقت الجامعة على الخطة وبدأ التدريس ـ ولله الحمد، وبذل الدكتور السعودي جهداً كبيراً وتطور التخصص إلى فتح البكالوريوس والماجستير والدكتوراة وسارت القافلة وكبر الطلاب وأصبحوا زملاء.
ثم انتقل الدكتور الكهل إلى مجلس الشورى وبعد أداء واجبه أصبح متقاعداً وهنا واجه ما لم يكن في حسبانه, حاول الاقتراض من البنوك فلم يجد من يقرضه ليشتري سيارة جديدة، يذهب إلى الدوائر الحكومية فيطلب منه تعريف فلم يجد من يعرف به.
عرف أن هناك جمعية للمتقاعدين أنشئت فانضم إليها وهنا عرف ما هو أسوأ من وضعه عرف أن كثيراً من المتقاعدين لا يزيد دخلهم على 1725 ريالاً في الشهر ووجد أن 40 في المائة من المتقاعدين لا يمتلكون مسكناً ووجد أن المتقاعد لا يجد من يستقبله في الدوائر الحكومية باعتباره متقاعداً ولا يقدم في المستشفيات إن مرض هو أو أسرته والأشد قسوة في الحياة يواجهها ذوو الرتب المختلفة من العسكريين إذ تزال عنهم كثير من الميزات التي كان يتمتع بها عندما كان في العمل وإذا به يصبح فاقداً كثيرا من الأوضاع التي كان يعيش فيها، تلك هي القضية.
هناك جهات مكلفة برعاية المتقاعدين مدنيين وعسكريين وعاملين في القطاع الخاص, ولكن آلية سلوكها مع المتقاعد تنفذ بناء على أنظمة مضى عليها نصف قرن أو يزيد وما أكثر ما ألح عليها المجتمع بإعادة النظر في أنظمتها, ولكن هذه الجهة تطور النظام على نار هادئة والوقت لا يساعد فقد كانت السيارة تُشترى في الثمانينيات الميلادية في حدود 20 ألفا, أما الآن فمثلها لا يشترى بأقل من 100 ألف. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
رئيس مجلس إدارة الجمعية الوطنية للمتقاعدين