موازنة سلطنة عمان للسنة المالية 2009

تشير الأرقام المتعلقة بموازنة السنة المالية 2009 في عمان إلى تعزيز سياسة المصروفات الحكومية. بدورنا نرى صواب هذا التوجه لغرض تعويض تراجع استثمارات القطاع الخاص بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية. لكن من شأن زيادة المصروفات التسبب في تسجيل عجز مالي ضخم نسبيا، نظرا لصعوبة تعزيز الإيرادات، وذلك على خلفية تراجع أسعار النفط.
نعتقد أن التحدي الرئيس أثناء فترة الموازنة يتمثل في ضمان تسجيل نمو معقول للناتج المحلي الإجمالي، ما يتطلب قيام الحكومة بصرف أموال داخل الاقتصاد الوطني. في المقابل، يمكن معالجة العجز عن طريق السحب من الاحتياطي العام الذي تعزز في السنوات القليلة الماضية أي خلال فترة ارتفاع أسعار النفط.

الإيرادات والمصروفات
قدرت الحكومة الإيرادات بنحو 14.6 مليار دولار للسنة المالية 2009 ما يعني تسجيل نسبة نمو قدرها 4 في المائة عن الرقم المقدر للسنة المالية 2008 (لم تنشر السلطات حتى الآن النتائج المالية النهائية لعام 2008). ويعود ارتفاع الدخل المتوقع جزئيا إلى تنامي الإنتاج النفطي من 760 ألف يوميا في 2008 إلى 810 آلاف يوميا في 2009.
إذا شكلت إيرادات السنة المالية 2008 أي مرجعية، يتوقع أن يسهم سهم القطاع النفطي بنحو 78 في المائة من دخل الموازنة العامة (67 في المائة للنفط و11 في المائة للغاز). عموما، لا تعد هذه الإحصاءات أنباء سارة بالضرورة، لأنها تجعل الاقتصاد العماني تحت رحمة التطورات في أسواق النفط.
كما كشفت السلطات عن مصروفات قدرها 16.7 مليار دولار للسنة المالية 2009 مشكلة زيادة قدرها 12 في المائة مقارنة بالأرقام المقدرة لموازنة 2008. في المقابل، فاقت النفقات المخصصة للسنة المالية 2008 بنسبة 19 في المائة عن عام 2007 وتعد الزيادة النسبية للنفقات الحكومية للسنة المالية 2009 جديرة بالاهتمام، نظرا لرصدها في فترة الأزمة المالية العالمية. وتشكل النفقات العامة نحو 41 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي يكشف الأهمية النسبية الكبيرة لمصروفات الدولة في الاقتصاد.

متوسط سعر للنفط
افترضت الحكومة متوسط سعر مرتفع نسبيا للنفط للسنة المالية 2009 مقارنة مع الأسعار السائدة في العالم. تحديدا تم افتراض متوسط سعر قدره 45 دولارا للبرميل أي الرقم نفسه الذي تبنته السلطات لموازنة عام 2008. يكمن الزعم أن متوسط سعر النفط المفترض لعام 2009 يتناقض شيئا ما مع السياسية المالية المحافظة للسلطنة. بالعودة للوراء قليلا، تم افتراض متوسط سعر قدره 40 دولارا للبرميل لموازنة عام 2007 أي في الفترة التي كانت أسعار النفط مرتفعة نسبيا.

الأمر المؤكد هو أن لكل قرار سلبيات وإيجابيات. فقد كشف وزير الاقتصاد العماني أحمد بن عبد النبي مكي أن السلطات ستعيد ترتيب مصروفات المشاريع في حال تراجع سعر النفط عن 45 دولارا للبرميل. ربما لا يمكن لوم الحكومة لهذا التوجه، حيث ليس بمقدورها تقليص المصروفات المتكررة والتي تشمل رواتب موظفي الدولة. في المقابل، من شأن تقليص نفقات المشاريع التنموية الحد من فرص تسجيل نمو معقول للناتج المحلي الإجمالي.
يشكل التحذير بتأجيل بعض المشاريع التنموية بسبب تدني أسعار النفط أمرا غير مقبول فيما يخص معالجة تداعيات إعصار (غونو) الذي ضرب السلطنة في منتصف عام 2007. فضلا عن خسائر في الأنفس، تسبب الإعصار بإلحاق خسائر مالية قدرها 2.6 مليار دور كحد أدنى.

تنامي العجز
لا يزال العجز المتوقع وقدره 2.1 مليار دولار في حدود السيطرة، نظرا لأنه يشكل نحو 14 في المائة من حجم الإيرادات المقدرة، فضلا عن 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. حقيقة القول، تعتبر هذه الأرقام تطورا سلبيا مقارنة بعام 2008، حيث شكل العجز المقدر نحو 7 في المائة من الإيرادات و3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
لا شك أن هذه الإحصاءات تعد غير مقبولة في حال كانت السلطنة عضوا في مشروع الاتحاد النقدي الخليجي والمزمع تدشينه في عام 2010. وكان قادة مجلس التعاون قد أكدوا تطبيق المشروع أثناء قمة مسقط نهاية العام الماضي. يتضمن مشروع الاتحاد النقدي مجموعة من المعايير تشمل ضمان عدم ارتفاع العجز في الموازنة العامة عن 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ويفسر الإصرار العماني لعدم الانضمام للمشروع الخليجي الطموح الرغبة في الاحتفاظ بالاستقلالية المالية الشاملة، وحديثا أكد مسؤول عماني رفيع المستوى عدم انضمام السلطنة للمشروع ليس فقط في 2010، بل حتى في 2100.
يزيد حجم العجز المتوقع للسنة المالية 2009 بنسبة 130 في المائة عن الرقم المقدر لعام 2008. بيد أنه لا بأس بزيادة العجز بسبب زيادة النفقات حتى يتسنى معالجة تحدي تسجيل نمو متميز في الناتج المحلي الإجمالي. كما لا تصطدم زيادة المصروفات بمعضلة التضخم بسبب تراجع ظاهرة الأسعار بشكل عام. في المقابل، كان التضخم العدو الاقتصادي الأبرز حتى النصف الأول من عام 2008 أي قبل بروز الأزمة المالية التي بدورها غيرت نوعية التحديات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي