المقالات

متانة الأصول والاحتياطيات السعودية

متانة الأصول والاحتياطيات السعودية

عند قراءة تصريحات وزير المالية السعودي، قبل أيام، عن التأثيرات الشديدة لأزمة كورونا على المالية العامة، التي تتسبب في انخفاض جوهري في الإيرادات العامة، وحديثه عن السحب من الاحتياطيات العامة، فيجب أن تكون تلك القراءة في سياقها الصحيح. فقد عم تفاؤل كبير جدا بعد صدور ميزانية الربع الأول، التي أظهرت تراجعا في العجز عن المخطط، وهو ما قد ينعكس بقرارات اقتصادية خاطئة من قبل عديد من المؤسسات المختلفة وبطريقة قد تجعلها في حالة صعبة عند صدور بيانات الربع الثاني وما بعده، لذا كانت التصريحات واضحة بشأن ما ستشهده الميزانية من تراجع حتمي في الإيرادات، ذلك أن الآثار الرئيسة والجوهرية للأزمة الحالية وانعكاس القرارات العالمية التي صاحبتها، بدأت تؤثر فعليا في الإيرادات العامة مع الشهر الرابع من العام المالي، نيسان (أبريل)، لذا كان من قواعد العمل الصحيحة، ومن احترام الآخر والشركاء الاقتصاديين، سواء في الداخل أو الخارج، أن يتم اطلاعهم على الوضع الاقتصادي، الذي لم تكتمل بياناته بعد، لكن اتجاهه أصبح واضحا تماما.
وأشار وزير المالية السعودي إلى أن ذلك تأثير عالمي لم تسلم منه دولة صغيرة ولا كبيرة، والسعودية تخطط أن تكون تأثيرات الجائحة محدودة في المالية العامة، وهذا ما تحاول الدولة القيام به بقيادة الملك سلمان - رعاه الله - وبإشراف مباشر من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فالميزانية العامة اليوم تتحمل معظم التأثيرات، وهذا يتطلب تعديل كثير من التقديرات المتعلقة بالإيرادات، وتخفيض المصروفات في بعض الأبواب والمشاريع جوهريا، لتخفيض نسبة العجز إلى مستويات مقبولة على أقل تقدير. هذا الإجراء الصارم يتم من خلال المحافظة على توازن الاقتصاد الكلي، بحيث لا تتأثر القطاعات الاقتصادية الأخرى، خاصة ما تم إنجازه حتى الآن من توطين الأعمال في القطاع الخاص. ولأن هذا التوازن يتطلب استمرار الصرف والدعم بطريقة مختلفة عما تم التخطيط له وإعلانه في بداية العام المالي، ومن ذلك الاستمرار في الصرف على مشاريع رؤية المملكة 2030، لذا لزم التصريح بالحالة الراهنة لكل الشركاء. مع ذلك، فإن العجز المتوقع بعد كل هذه الإجراءات، سيظل مرتفعا قياسا بما تم التخطيط له. ونوه الوزير بأن المملكة قد تحتاج إلى الاقتراض، لأنه تم سحب أكثر من تريليون ريال من الاحتياطيات في الأعوام السابقة، وهذا دلالته واضحة بشأن طريقة معالجة العجز، لكن لا يعني أن المملكة فقدت أرصدتها واحتياطياتها، بل إن ضرورة المحافظة على توازن الاقتصاد تتطلب تنويع مصادر التمويل، خاصة أن الأزمة الراهنة مؤقتة - بإذن الله، والاقتصاد العالمي لم يزل واعدا في المستقبل القريب.
من هذه المقدمة الضرورية، نجد أن الحفاظ على منجزات الاقتصاد السعودي هدف أساس الآن، ومن ذلك استخدام السياسات المالية للحفاظ على التوازن الكلي للاقتصاد، والحفاظ على الوظائف والقوة الشرائية، وفي الوقت نفسه محاربة المرض ومكافحة انتشاره، فهو توازن مهم بين الصحة والاقتصاد، قليل من دول العالم تلتفت إليه. وفي هذا السياق، فإن متانة الاقتصاد السعودي لا شك فيها، وقدرة المملكة على المضي قدما بعد هذه الجائحة، أمر يخطط له بدقة. ولتأكيد هذا الاتجاه، وأن هناك تنسيقا كاملا بين السياسات المالية والنقدية، أكدت مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما" التزامها بسياسة ربط سعر صرف الريال السعودي بالدولار الأمريكي خيارا استراتيجيا أسهم في نمو اقتصاد السعودية منذ أكثر من 30 عاما. وهذا التأكيد يبعث برسالة قوية للأسواق المختلفة، بأنه لا تأثير للأزمة في سعر الصرف السعودي، وأن السياسة النقدية الحالية بشأن سعر الفائدة فاعلة ومناسبة. كما تؤكد التصريحات أن أزمة كورونا تأتي والاقتصاد السعودي يتمتع باحتياطيات ضخمة من الأصول، تشمل الاحتياطيات مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما"، والذهب، وحقوق السحب الخاصة، والاحتياطي لدى صندوق النقد الدولي، والنقد الأجنبي والودائع في الخارج، إضافة إلى الاستثمارات في أوراق مالية في الخارج. كما أن لدى السعودية - بفضل الله - رصيدا من العملة الأجنبية قادرا على تلبية جميع متطلبات الاقتصاد الوطني من العملات الأجنبية، حيث تغطي نحو 43 شهرا من الواردات و88 في المائة من الكتلة النقدية الموسعة "ن3"، فقد بلغت الأصول الاحتياطية السعودية في الخارج بنهاية آذار (مارس) الماضي نحو 1.775 تريليون ريال "474.4 مليار دولار"، وهذا يشير إلى أن السعودية واحدة من بين أكبر ست دول في العالم من حيث الاحتياطيات الأجنبية.
فالاقتصاد السعودي يمتلك أدواته كافة التي تحقق له الاستدامة، فهو في الداخل قادر على توفير طلب قوي على السلع المصنعة محليا، وأثبتت الأزمة قدرة القطاع الخاص الصناعي والغذائي على تلبية الطلب، والمملكة تقف على منافذ بحرية مفتوحة مع العالم أجمع، تقف على جنباتها أكبر وأفضل الموانئ القادرة على الاستيراد والتصدير، فالواضع الاقتصادي الراهن الناتج عن أزمة كورنا وضع مؤقت، وتحملت الحكومة وحدها من خلال المالية العامة التأثيرات الأشد قسوة، لحماية الإنسان وصحته، والمحافظة على الإنجازات والاستدامة.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من المقالات