تغير المناخ والمخاطر المالية «3 من 3»

نمو التمويل المستدام "أي مراعاة المعايير البيئية والاجتماعية ومعايير الحوكمة في القرارات الاستثمارية" عبر جميع فئات الأصول يوضح الأهمية المتزايدة التي يوليها المستثمرون لتغير المناخ إضافة إلى الاعتبارات غير المالية الأخرى. وتراوح تقديرات قيمة أصول التمويل المستدام العالمية بين ثلاثة و31 تريليون دولار. وبينما بدأ مفهوم الاستثمار المستدام في الأسهم، شجع الطلب القوي من جانب المستثمرين والدعم الكبير من السياسات على إصدار السندات الخضراء، لينمو بذلك حجم الاستثمار المستدام إلى نحو 590 مليار دولار في آب (أغسطس) 2019 مقابل 78 مليار دولار في 2015، وقد بدأت المصارف أيضا في تعديل سياساتها الإقراضية من خلال تقديم خصومات على قروض المشاريع المستدامة، على سبيل المثال.
ومن شأن التمويل المستدام المساهمة في التخفيف من آثار تغير المناخ من خلال تقديم حوافز للشركات لتشجيعها على استخدام تكنولوجيات منخفضة الكربون، كانون الأول (ديسمبر) 2019 وتمويل التكنولوجيات الجديدة على وجه الخصوص. أما القنوات التي يمكن للمستثمرين من خلالها تحقيق هذا الهدف فتتضمن التعاون مع إدارات الشركات، والاضطلاع بدور نشط في استقطاب التأييد للاستراتيجيات منخفضة الكربون، وإقراض الشركات الرائدة في مجال الاستدامة.
وتنشأ عن هذه الإجراءات إشارات سعرية تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر في توزيع رأس المال.
ومع ذلك، لا يزال من الصعب قياس تأثير الاستثمارات المستدامة على أهدافها البيئية. وتوجد مخاوف حيال أي ادعاء امتثال، "الغسل الأخضر" يعرف باسم ظاهرة الأصول للمعايير البيئية. ويوجد خطر آخر يتمثل في إمكانية امتناع المستثمرين عن الاستثمار بالقدر اللازم لمكافحة تغير المناخ أو التخفيف من آثاره في حالة تنفيذ سياسات متباطئة أو غير كافية لمواجهة تغير المناخ.
دور صندوق النقد الدولي يمثل تحليل المخاطر ومواطن الضعف جزءا أساسا من مهام الصندوق إلى جانب تقديم النصح والإرشاد لأعضائه بشأن السياسات المالية الكلية. ومن الضروري دمج مخاطر تغير المناخ في هذه الأنشطة نظرا لحجم المخاطر الذي يفرضه تغير المناخ على العالم والطبيعة العالمية لهذه المخاطر.
ويتمثل أحد المجالات التي يمكن للصندوق المساهمة فيها خصيصا في فهم كيفية انتقال مخاطر المناخ إلى النظام المالي الكلي. ويمكن القيام بذلك من خلال عدة جوانب من بينها مواصلة تحسين اختبارات القدرة على تحمل الضغوط، كتلك التي يتم إجراؤها في إطار برنامج تقييم القطاع المالي، وهو تحليل شامل ومتعمق للقطاعات المالية في الدول الأعضاء.
وتمثل اختبارات القدرة على تحمل الضغوط مكونا أساسا من مكونات البرنامج، حيث غالبا ما تقيس هذه المخاطر المادية الناتجة عن الكوارث، مثل خسائر التأمين والقروض غير المنتظمة المرتبطة بالكوارث الطبيعية. ومن أمثلة التقييمات التي تم نشرها أخيرا التقييم الخاص بجزر البهاما وتقييم جامايكا، حيث تضمنا سيناريوهات لاختبار القدرة على تحمل الضغوط تحلل الأثر الاقتصادي الكلي عن إعصار حاد في التقييم الأول وعن كارثة طبيعية جسيمة في التقييم الثاني. ويجري حاليا تنفيذ مزيد من هذه التقييمات أو التخطيط لها في دول أخرى. كذلك يجري الصندوق حاليا تحليلا لانكشاف النظام المالي للمخاطر الانتقالية في أحد الدول المنتجة للنفط.
وانضم الصندوق أخيرا إلى شبكة النظام المالي الأخضر، ويتعاون مع أعضائها حاليا في وضع إطار تحليلي لتقييم المخاطر المرتبطة بالمناخ.
ومن المهم أيضا سد فجوات البيانات. فاستخدام آليات دقيقة وموحدة لتسجيل المخاطر المناخية في القوائم المالية هو السبيل الوحيد الذي يمكن للمستثمرين من خلاله تحديد حجم انكشاف الشركات الفعلي تجاه المخاطر المالية المرتبطة بالمناخ. وتوجد حاليا جهود واعدة لتشجيع القطاع الخاص على الإفصاح عن هذه المخاطر. لكن هذه الإفصاحات غالبا ما تكون طوعية وغير متوازنة عبر الدول وفئات الأصول.
وتتطلب الاختبارات الشاملة لقياس القدرة على تحمل الضغوط المناخية التي تجريها البنوك المركزية والأجهزة الإشرافية تحسين جودة البيانات المتاحة بشكل أكبر. ويدعم صندوق النقد الدولي جهود القطاعين العام والخاص الهادفة إلى نشر ثقافة الالتزام بالإفصاحات المناخية عبر الأسواق والدول، ولا سيما من خلال تنفيذ توصيات فرقة العمل المعنية بالإفصاح المالي المتصل بالمناخ 2017. كذلك ستسهم زيادة توحيد المقاييس في تحسين إمكانية مقارنة معلومات المخاطر المناخية في القوائم المالية.
وهكذا فإن الأثر المحتمل لتغير المناخ يدفعنا إلى التفكير بأسلوب تجريبي في التكلفة الاقتصادية لتغير المناخ.
فالإنتاج العالمي سيتراجع مع كل إعصار مدمر وكل أرض تشهد موجة جفاف حادة، كما أن الاتجاه نحو اقتصاد منخفض الكربون سيؤدي إلى زيادة تكلفة مصادر الطاقة في ظل عدم تجاهل العوامل الخارجية واضمحلال قيمة الأصول القديمة. وعلى الجانب الآخر، ستسهم ضرائب الكربون وتدابير توفير الطاقة التي تحد من انبعاثات غاز الدفيئة في استحداث تكنولوجيات جديدة. وسيتعين أن يكون للتمويل دور مهم في إدارة هذا التحول لمصلحة الأجيال المستقبلية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي