قدرة المجتمعات على التصدي ضد الكوارث «2 من 2»
وجدنا من خلال تحليل بيانات التعاونيات مع معدلات وفيات الإنفلونزا الإسبانية بكل مجتمع أن معدل الوفيات بسبب الإنفلونزا في تلك المجتمعات كان سببا في خفض تأسيس تعاونيات على مدار 20 عاما بعد الوباء. في أواخر ثلاثينيات القرن الـ20، أصبح تأثير الإنفلونزا على تلك التعاونيات أضعف، وكما يبدو أكملت الشبكات الشخصية والمؤسسية مهمتها ببطء لاستعادة الروابط الاجتماعية.
وجدنا أيضا أن معدل وفيات الإنفلونزا الإسبانية كان له الأثر الأقوى في بناء التعاونيات في المجتمعات المحلية التي كانت تفتقر إلى القدرات المدنية قبل الوباء، كما يتضح من عدم قدرتها على مجاراة الحركة التعاونية التي انتشرت في الأرياف. حيث ضمت تلك المجتمعات عددا أقل من مصارف الادخار وشركات التأمين ضد الحرائق، ومؤسسات أخرى، ما أدى إلى تفشي المرض. وعلى النقيض، كانت المجتمعات التي تحتوي على مجموعة واسعة من هذه المؤسسات قبل الوباء في وضع أفضل. وبالتالي فإن الاستعداد بشكل صحيح يستطيع تقليل حدة تأثير الكارثة.
وجدنا أن فداحة وباء الإنفلونزا الإسباني لم يكن الأمر الوحيد الذي تسبب في عواقب واضحة على المدى الطويل. فعندما اجتاحت الموجة الأولى للوباء أوروبا امتلأت الصحف بتحذيرات وإشعارات أثارت ذعرا على صعيد العالم. في أوائل القرن الـ20، كان هناك فهم واسع لكيفية انتقال العدوى، وبالتالي كيف يمكن للأشخاص في الجوار أن يشكلوا تهديدا مميتا. وكانت حالة الخوف وانعدام الثقة بالآخرين في تصاعد.
الأمراض المعدية مثل الإنفلونزا الإسبانية أكثر هدما للنسيج الاجتماعي مقارنة بالكوارث الطبيعية التي لا يمكن أن يلقى فيها اللوم على الآخرين. تحققنا من ذلك عند مقارنة تأثير الإنفلونزا الإسبانية على التعاضد الاجتماعي مع الصقيع الربيعي. حيث كانت درجات الحرارة أقل من المتوسط في نيسان (أبريل)، ما يؤثر في المحاصيل الزراعية، وتأتي مع بداية موسم الإزهار. وما يترتب عنها من صعوبات على الصعيد الاقتصادي حيث تعد خطرا محدقا على الحياة الزراعية في ذلك الوقت.
يقوم المزارعون النرويجيون في المجتمعات المتماسكة بالتصدي للصقيع الربيعي من خلال تأسيس تعاونيات مثل بنوك الحبوب ومؤسسات التأمين. وهذا ما حدث بالضبط. فالتأثير الطويل والقصير المدى للصقيع الربيعي يتمثل في التشجيع على بناء مؤسسات تعاونية، في حين أن المجتمعات التي أصابتها الإنفلونزا الإسبانية عانت آثارها بعد عقدين من الزمن.
تأثير الكوارث في المجتمعات التي تحل بها لا ينحصر في مدى الأذى الذي تتسببه. ويجب أن يؤخذ في الحسبان طريقة تعامل أفراد المجتمع معها. فكارثة ينظر لها على أنها عالمية ويصعب تفاديها، قد تسهم في تعزيز الروابط بين أفراد المجتمع، على افتراض وجود مستوى مقبول من التماسك الاجتماعي. وفي حالة تفشي الأوبئة، قد تكون التداعيات على المدى الطويل أسوأ مما تشير إليه المؤشرات الأولية.