سوق الأسهم السعودية .. التعليق أم خطة إنقاذ ؟!
شهدت أسواق الأسهم بعامة ومن ضمنها السوق السعودية تراجعات حادة وصلت إلى ما بين 30 و60 في المائة، إن لم تفقها، خلال الأشهر الستة الماضية. ففي خطوة جريئة قررت محكمة قضائية في الكويت تعليق تداولات البورصة لفترة بسيطة بعد عديد من الشكاوى التي رفعها بعض المتداولين بسبب تراكم خسائر مالية نتيجة للنزف الحاد والمستمر لسوق الأسهم جراء الأزمة المالية العالمية. وعلى الرغم من هذا النزف المتواصل والحاد لأموال المواطنين ومدخراتهم تُفاجأ بنفر قليل، يُقدم النصائح الذهبية للمستثمرين ويُمنيهم بالوعود البراقة، بأن العام المقبل سيكون عام خير وستعود سوق الأسهم كما كانت سابقاً ناسين أو متناسين أن العام المقبل قد يكون أشد وطأة على الاقتصادات العالمية دون اشتثناء بما فيها الخليجية، وأن بوادر الركود ستنوء بكلكلها على الأسواق كافة ما سينعكس سلبا على أسهم الشركات المدرجة في الأسواق المالية.
الأهمية الاقتصادية للأسواق المالية تنبع من أنها تساعد على الادخار والاستثمار، فهي تجعل من الممكن للفرد أن يتخلص من الأوراق المالية التي يحملها حال رغبته في ذلك، كما أنها أيضا تساعد على التواصل بين المدخرين والمستثمرين.
قرار وقف التداول انقسم فيه أصحاب الرأي والخبرة إلى فسطاطين. الفسطاط الأول مؤيدو الإغلاق، ويرون فيه متنفسا للسوق كي تهدأ وتنحسر حدة المخاوف ويزول الاحتقان والتوتر السائد في السوق قدوتهم في ذلك تعليق بعض الأسواق تداولاتها، وقد يساعد هذا الإيقاف المؤقت على التخفيف من نزف جروح السوق الحادة.
الفسطاط الآخر الذي يرى أن تعليق العمل في السوق سيكون له آثار ضارة في السوق والاقتصاد الوطني ككل، فهو إغلاق لشريان حيوي ومهم تتدفق من خلاله رؤوس الأموال من قطاع إلى قطاع آخر، كما أن التعليق سيؤدي ببعض المستثمرين إلى تحمل خسائر مادية كبيرة كونهم تحملوا التزامات مالية واجبة السداد كالقروض، ولهذا سيصعب عليهم سداد هذه الالتزامات في هذه الحالة. واقع الحال يشير إلى أن هناك أسهما لبعض الشركات قد تكون مدرجة في أكثر من بورصة سواء كانت أسهما لشركات محلية أم عالمية, ولا شك أن التعليق سيضعها في موقف لا تُحسد عليه. التاريخ الحديث للأسواق المالية يؤكد أن التعليق لم يكن مجديا في حالات دول مرت بالتجربة نفسها كروسيا ومصر وانتهى بها الأمر عند الافتتاح إلى انخفاضات مضاعفة وحادة لهذه الأسواق. ولعلنا لا ننسى كذلك أن إغلاق السوق سيسد منفذا من منافذ التمويل بحيث يستطيع المستثمر تسييل محفظته أو جزء منها إما لتبديل مركز مالي وإما للبحث عن فرص استثمارية داخل السوق أو خارجها. من المهم في هذا المقام أن نذكر أن الخسائر موجودة وأن أي إغلاق للسوق سيُفقد المواطن الثقة بها كونه يعتقد أن الوضع أسوأ ولو لم يكن كذلك لما عُلق العمل في السوق وبهذا يزيد الاحتقان والضغط النفسي ما يدفع إلى مزيد من البيوع ومن ثم إلى مزيد من الهبوطات السعرية. المتأمل للاكتتابات أثناء تعميق السوق، يلاحظ أن هناك كثيرا من التعاملات تمت بصورة غير نظامية كأن يشتري البعض أسهم أشخاص اكتتبوا قبل طرحها في السوق بأعلى من سعر الاكتتاب طمعا في تحقيق مكاسب مادية بعد الإدراج، ومن هذا المنطلق سيكون تعليق التداول وسيلة للبعض إلى البيع والشراء من خارج السوق الرسمية مدفوعين إما بسبب الحاجة إلى السيولة وإما إلى البيع قبل أن تهوي السوق, خاصة إذا كانت التوقعات متشائمة، وعليه ستكون لدينا في فترة التعليق سوق ثانوية غير نظامية. بكل بساطة نستطيع معرفة فيما إذا كان الاقتصاد يمر بفترة ركود، فعندما ينخفض الناتج المحلي الإجمالي لفترتين متتابعتين احرص على تجنب أكبر قدر من الخسائر، خاصة في الأسواق المالية التي تتحرك هبوطا وصعودا بسرعة كبيرة، فإن بقي مؤشر التضخم مرتفعا وبالذات أعلى من 5 في المائه، وكذلك عندما تبدأ أسعار الأراضي والمساكن في الانخفاض بجانب هبوط أسعار النفط إلى مستويات منخفضة جدا مقارنة بأسعارها السابقة، فكل هذه المؤشرات تدعو للقلق والترقب ومن ثم تحديد اتجاه بوصلة الاستثمارات الواعية. إذاً والحال هذه ما الخطوات المُفترض في هيئة سوق المال والجهات النقدية المرتبطة بها القيام بها من أجل التخفيف من الأضرار التي لحقت وستلحق مستقبلاً بالسوق المالية جراء تبعات الأزمة المالية؟ نعلم جيداً أن غيوم التشاؤم لا تنجلي بين عشية وضحاها لكن ما يساعد على تبديد هذه الغيوم القرارات الجريئة والفاعلة من قبل الجهات المسؤولة. إعلان صريح من الهيئة للمتعاملين في السوق بأن لا اكتتابات ولا زيادات رؤوس أموال تحت أي ظرف من الظروف، ووقفها تماما لمدة لا تقل عن عام على أن يُعاد النظر في هذه القرارات حال تحسن الأوضاع المالية والاقتصادية، وهذا الإعلان يجب أن يكون بصوت مسموع لكل وسائل الإعلام. تغيير نسبة التذبذب اليومي بحيث تكون النسبة القصوى 10 في المائه صعودا ومن 2 إلى 5 في المائه هبوطاً وبذا نعطي فرصة جيدة للصعود ونقلل من فرص الهبوطات اليومية الكبيرة، بمعنى آخر نسبة هبوط أسبوع واحد يعادل تقريبا هبوط يوم كامل قبل التعديل على أسوأ الاحتمالات. لعل من الحلول المؤقتة ما تداوله بعض الكتاب من أهمية وجود صندوق استثماري في أسهم الشركات المحلية المُدرجة الهدف منه الحفاظ على توازن السوق من الهبوطات الحادة وليس المساهمة في رفع أسهم الشركات, وبدأت به غالبية الدول الخليجية. السماح للشركات ولفترة مؤقتة بشراء نسبة معينة من أسهمها من أجل الحد من الهبوطات المتكررة شريطة ان تكون لفترة محدودة حتى يتم تجاوز الأزمة وتهدأ نفوس المتعاملين في السوق. السماح الدائم للشركات بالاستثمار في أسهمها فيه تعطيل للتوسع في المشاريع الاستثمارية الإنتاجية للشركات, كما أن فيه حرفا للغرض الذي أنشئت من أجله الشركات. من الاحتياطات المهمة الواجب اتخاذها حتى لا تظهر أي إفلاسات مفاجئة كما حصل مع بنك الخليج الكويتي، وهذا يرجع إلى تقدير السلطات النقدية كونها الأجدر بمعرفة ظروف بنوكنا المحلية وحجم الأضرار التي لحقت بها، وهو الاندماج القسري. وهو إجبار البنوك على الاندماج كإجراء احترازي إذا شعرت السلطات النقدية بأن الوضع المستقبلي سيسبب إحراجا لها, خاصة البنوك التي تضررت كثيرا من هذه الأزمة, لأن القطاع المصرفي له تأثير مباشر في السوق المالية وغير مباشر في قدرة القطاعات الاقتصادية على الاقتراض منه. الاندماج يحقق فوائد كثيرة من جملتها تحقيق استراتيجية بعيدة المدى أو أهداف مالية قريبة المدى، وذلك للوصول إلى وفورات الحجم وذلك بالتخلص من العمليات الإضافية وزيادة الحصة السوقية وتطوير مصادر التمويل ما ينعكس إيجاباً على أسعار الأسهم. فهل تحتاج سوقنا المالية الناشئة إلى خطة إنقاذ عاجلة أم أن الاستعدادات فقط تصب في صالح القطاع المصرفي فقط؟
أكاديمي واقتصادي سعودي
[email protected]