كم أنت مستحيل أيها السكن!

وجدت وبعد بحث بسيط عبر محركات الإنترنت عن أزمة السكن .. الكثير من المقالات والدراسات المحشوة بالأرقام التي يصعب من كثرتها فهم بعضها الآخر وكل يناقش المشكلة من زاوية تخصصه والأرقام التي لديه محاولاً إظهارها على السطح بالشكل الذي يراه هو الأفضل .. هذا من ناحية وإيجاد الحلول التي قد تكون صعبة ومستحيلة من ناحية أخرى ..
لم يكن بحثي البسيط هذا وليد الصدفة أو من قبيل إثراء معلوماتي في هذا المجال ولكنني قمت بذلك بعد أن صعقت وأدركت أنني كغيري من الآلاف بل مئات الآلاف من أرباب الأسر عاجز عن امتلاك بيت يأوي أسرته وشعرت فعلاً بأننا نعيش أزمة سكن .. فالخيارات محدودة وكل منها أصعب من الآخر .. أقول إنني صعقت بعد أن أجريت استطلاعا مع البنوك حول إمكانية امتلاكي بيتاً عن طريق ما يسمى بالتمويل العقاري .. كانت الإجابات والعروض متقاربة سيذهب جلّ الراتب قسطاً يصل إلى نصفه لمدة خمس وعشرين سنة والفوائد أكثر من 100% بمعنى أن يعيش المقترض على الكفاف طيلة هذه السنين لا يستطيع أن يشتري سيارة جديدة لمدة ربع قرن ولا أن يسافر حتى يبلغ من العمر عتيا .. وبغض النظر عن كم سيصبح عمره في نهاية القرض وكم أعمار أولاده وكيف حالة العقار بعد أكثر من عقدين .. المهم لدى البنك هو مقدار الفائدة التي سيجنيها .. والأجمل من ذلك كله أن البنك يغري المقترض بأنه في حالة الوفاة يسقط عن الورثة تسديد القرض .. وكأنه يريد من المقترض أن يدعو على نفسه بالموت ليستطيع توفير بيت حلال لأولاده .
الخيارات محدودة بل ومحدودة جداً .. وهي أن تستأجر شقة صغيرة أشبه ما تكون بالجحر طيلة حياتك تأخذ حوالي 20-25% من الراتب شهرياً بل أكثر لدى أصحاب الرواتب المتدنية أو أن تسكن لدى العائلة الأم فبيت الوالد الذي بناه على البنك العقاري قبل ثلاثين سنة أيام الطفرة الأولى ولا يزال يسكنه هو وبقية أفراد العائلة الذين لم يتزوجوا وقد خضع لعمليات ترميم عديدة حتى أصبح كصباح الشحرورة بمكياجها الكامل أقول إن تسكن أنت وأولادك وزوجتك في البيت الذي كنت طفلاً فيه وتقاسم والديك وإخوانك البيت وكل من يتزوج منهم يقتطع غرفة ويحور إحدى زواياها إلى دورة مياه والآخر يُنشئ غرفة في السطح وبعيداً عن أنظار البلدية لكيلا يمنعوه من البناء عمودياً ويستقر مع زوجته الجديدة فوق السطوح هكذا حتى يصبح البيت مكتظاً بالسكان وكأنه شركة في ساعات الذروة .
أما الخيار الثالث فهو الهجرة إلى القرى وهو أن تبني بيتاً خاليا من كل معاني المدنية وتتكبد عناء السفر كل يوم للعمل والمدارس والخدمات ولكي تحقق معنى العيش البسيط ومقومات الحياة الأساسية فستدخل في دوامة من المشاكل التي لا نهاية لها في كل مرة يجب أن تسافر إلى المدينة .. أما الخيار الرابع فهو أن تتخلى عن كل معاني المدينة وكل ما يمكن أن يصفك بالحضارة وهو أن تكون بدوياً تبني بيت شعر في الصحراء وتربي الأغنام والإبل وتتبع أخبار الأمطار والربيع فترحل وتنزل هادئ البال مرتاح الضمير بعيداً كل البعد عن البنوك وعن قروضها والإيجار واختناقات الشقق والأمراض النفسية والاكتئاب من سكن تلك الشقق وعن كل ما يمكن أن نسميه ضغطاً من ضغوط الحياة .
أما الحل الأخير فهو الحل الوحيد المتاح وهو قرض صندوق التنمية العقاري وبعد انتظار طويل بل وطويل جداً يأتي القرض ليرغمك على بناء دورين بمواصفات محددة وهو لا يكفي لبناء ربع المبنى المطلوب وبمعنى آخر ستعود للبنوك لتقترض لإكمال المبنى فتصبح مرهوناً من جهتين، من جهة صندوق التنمية ومن جهة البنك.
عدنا بعد جولة داخل الدائرة المغلقة إلى السؤال نفسه في نهاية طريق مسدود .. ترى ما الحل؟ وإلى متى؟ ..

وقفـــة
أخرج الحاكم في مستدركه عن سعد بن وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربع من السعادة المرأة الصالحة والمسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيء .. وأربع من الشقاوة الجار السوء والمرأة السوء والمسكن الضيق والمركب السوء).

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي