رائد المبادرات يشارك في تأسيس نظام مالي عالمي جديد
أطلق الملك عبد الله بن عبد العزيز في مؤتمر القمة في بيروت عام 2002 عندما كان وليا للعهد مبادرة عربية للسلام رفضتها إسرائيل وأمريكا في حينها بينما الآن تقبلها إسرائيل بعد هذه السنوات على لسان شمعون بيرز بعد تغير الوضع العالمي. والمبادرة الأخرى التي لا تقل أهمية عن سابقتها وهي مبادرة رعاية حوار الأديان في مدريد وستستضيف نيويورك حوار أتباع الأديان, الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين في مقر الأمم المتحدة .
والآن جاء دور خادم الحرمين الشريفين الاجتماع بقادة العالم في نيويورك في رحاب الأمم المتحدة بين 12 و15 تشرين الثاني (نوفمبر) 2008 للإسهام في معالجة الخلل الذي أصاب النظام المالي العالمي من الناحيتين الجواستراتيجية والمالية/ الاقتصادية بحضور القمة الاقتصادية هناك يوم 15/11/2008.
وكما استطاع خادم الحرمين الشريفين بحنكته المعهودة إخراج الإسلام من الحصار واستعادة الشراكة السياسية والثقافية والاقتصادية مع العالم يستطيع أن يترك الآن بصمات حنكته في المشاركة في تأسيس نظام مالي عالمي جديد قائم على العدل والمساواة .
وجاءت الدعوة لاينجفار كارلسون رئيس الوزراء السويدي السابق خلال ترؤسه اجتماع المسؤولين السابقين الأعضاء في (مجلس التفاهم العالمي) إلى توسيع عضوية مجموعة البلدان الصناعية الثماني، لتتضمن ضم دول كبيرة وقوية ذات اقتصادات نامية مثل السعودية، لتؤكد الدور الذي تلعبه السعودية على خريطة الصناعة العالمية وتأثيرها المباشر في صناعات العالم.
وركز كارلسون على الدور المهم الذي تضطلع به السعودية, إضافة إلى دول الصين والبرازيل والهند على الصعيدين الاقتصادي والسياسي وما يمكن أن تقدمه تلك الدول مع دول المجموعة الحالية التي تشمل كلا من الولايات المتحدة, كندا, بريطانيا, إيطاليا, فرنسا, ألمانيا, اليابان, وروسيا.
وترشيح السعودية لتلك العضوية تدعمه كثير من المبررات في مقدمتها أن السعودية هي أكبر مصدر للنفط في العالم، إضافة إلى أنها تمتلك أكبر الاحتياطيات منه فلا بد أن يسمع صوتها وتكون شريكا فعليا في صنع القرار.
ولم تكن تلك الدعوة من قبل لاينجفار كارلسون فقط بل أيضا طالب باسكال لامي مدير عام منظمة التجارة العالمية بأنه حان الوقت لمعالجة النظام المالي في نظام – بريتون وود – الذي أرسى النظام المالي ومؤسساته منذ قرابة 80 عاما وأن تداعيات الأزمة المالية وأثرها في أسواق المال يتعين على الدول الكبرى إعادة النظر في نظام تلك المؤسسات المالية وأهمها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وأجريت معه صحيفة "الباريزيان" أنه يؤيد أي عمل من شأنه معالجة الهيكلية في أنظمة تلك المؤسسات التي فرضها النظام الاقتصادي العالمي بعد الحرب العالمية الثانية والدعوة إلى مؤتمر عالمي تجتمع فيه القوى الكبرى ( الولايات المتحدة, الاتحاد الأوروبي, الهند, البرازيل, الصين, والسعودية باعتبارها أكبر مصدر للنفط) في اجتماع برعاية منظمة التجارة العالمية ومناقشة تلك الأزمة وتداعياتها على أسواق المال.
ودعا أيضا روبرت زوليك رئيس مجموعة البنك الدولي إلى بناء شبكة جديدة متعددة الأطراف من أجل اقتصاد عالمي جديد، ونظام عالمي متعدد الأطراف يلائم العصر ويجب أن تكون شبكة مرنة، وليس نظاما ثابتا أو مركزيا وسيتعين عليه تحقيق الاستفادة القصوى من جوانب قوة التشابك والتداخل بين الأطراف المؤثرة والمؤسسات العامة والخاصة على السواء في الاقتصاد العالمي.
لذلك يرى روبرت زوليك الحاجة إلى مجموعة أفضل من مجموعة السبع لحقبة زمنية مختلفة وإن كان زوليك قد شكك في مجموعة العشرين رغم أنها مجموعة أفضل من مجموعة السبع لحقبة زمنية مختلفة إلا أنها تفتقر إلى الطابع العملي في الانتقال من النقاش إلى العمل.
وما يؤكده زوليك هو تأسيس فريق يتكون من وزراء المالية الذين يضطلعون بمسؤولية توقع القضايا وتبادل المعلومات والرؤى المتعمقة، واستكشاف آفاق المصالح المشتركة وحشد الجهود لحل المشكلات وعلى أقل تقدير إدارة الاختلافات, أي يكون فريقا توجيهيا يجمع معا أكثر من 70 في المائة من إجمالي الناتج العالمي و56 في المائة من سكان العالم و62 في المائة من إنتاج الطاقة ويرفض زوليك أن يكون هذا الفريق التوجيهي يستخدم أساليب العالم القديم في صياغة العالم الجديد بل لا بد ألا يكون محدد العضوية، وأن يتسم بالمرونة ويمكنه التطوير بمرور الزمن ويمكن إضافة بلدان أخرى ولا سيما إذا كان نفوذها المتنامي يضاهي رغبتها في المساعدة على تحمل المسؤولية, لذلك يعارض زوليك مجموعة الـ 14, بل ينصح بمجموعة العشرين.
وهذا النظام المتعدد الأطراف لا بد أن يحترم سيادة الدول مع التسليم في الوقت نفسه بأن كثيرا من القضايا لا تراعي الحدود الوطنية وأن يمارس الفريق التوجيهي دبلوماسية اقتصادية متعددة الأطراف.
من ناحية أخرى, تؤكد مصادر موثوقة أن وزارة الخزانة الأمريكية تنظر بجدية إلى إبراز ملامح أعمال الصيرفة الإسلامية، وفي خطوة يرجى من ورائها معرفة المدى الشرعي الاقتصادي الذي يمكن الاستفادة منه في التصدي للأزمة المالية التي ضربت شرايين الاقتصاد العالمي وحيرت معها الخبراء الاقتصاديين بكل أطيافهم.
وهذه الخطوة جاءت بعد أن ثبت للمسؤولين أن الصيرفة الإسلامية تمكنت من تثبيت جذورها في وجه الجيشان المالي العالمي, الأمر الذي أجبر المسؤولين الأمريكيين على النظر بعمق نحو المبادئ التي ترتكز عليها الصيرفة الإسلامية وتجاهل النظرة الساذجة التي تربط هذا النوع من الصيرفة بالإرهاب، وفي خطوة تبرهن مدى جدية خبراء وزارة الخزانة الأمريكية في تعلم ملامح الصيرفة الإسلامية من منابعها الأصلية، فدعت الوزارة إلى عقد مؤتمر مصغر دعي لحضوره جميع مسؤولي البنوك الأمريكية وبعض أعضاء الكونجرس من أجل تفنيد الشائعات التي تلاحق الصيرفة الإسلامية مع التعلم في الوقت نفسه أساسيات هذه الصناعة .
واللافت للنظر أنه تم تكليف نيل كاشكاري مصرفي سابق من أصل هندي لإدارتها وهو نفسه المكلف من قبل وزير الخزانة الأمريكي هنري بولسون بالقيام بإحدى أصعب المهام في تاريخ وزارة الخزانة وهي رئاسة برنامج الحكومة لإنقاذ المؤسسات المالية الذي أقره الكونجرس وقيمته 700 مليار دولار .
واطلع نائب وزير الخزانة الأمريكي روبرت كيميت على الصيرفة الإسلامية أثناء زيارته دول الخليج ويعلق أحد الغربيين مدى اندهاشه من تقدير كيميت للصيرفة الإسلامية، ويبدو أن المسلمين اأنفسهم لا يدركون أهمية الصيرفة الإسلامية ككنز اكتشفه غيرهم.
ودور الملك عبد الله بن عبد العزيز أثناء مشاركته في المؤتمر ينطلق من دور المسلم الذي يحب الخير للناس كافة انطلاقا من مبادئ ديننا الإسلامي الذي أتى رحمة للعالمين "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" فمن واجبه أن يقدم النصح الصادق، لأن المسلم لا يؤمن حتى يكون قد بايع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على السمع والطاعة والنصح لجميع الناس، للمساهمة في إيجاد كل السبل الممكنة لإنقاذ البشرية من تسونامي مالي أصاب البشرية نتيجة أنانية قلة من البشر وانحرافهم عن حاجات الفطرة الإنسانية، وبعدهم عن المبادئ الدينية التي أتت بها الأديان لصيانة البشرية من الانحراف على غرار "أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو نفعل في أموالنا ما نشاء" "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل".
ولا بد أن يتذكر الغرب أن موقفهم أثناء أزمة آسيا عام 1997 كان سلبيا، وكان موقف صندوق النقد الدولي مخيبا للآمال، فاستفادت آسيا من الأزمة وبنت احتياطيات ضخمة بعد ذلك من الأموال لمواجهة أزمات قادمة، والوضع نفسه تكرر مع دول النفط أثناء انخفاض أسعار النفط، في حين أن دول الغرب تتنعم بالأسعار المنخفضة للنفط، بينما توقفت مشاريع البنى التحتية ومشاريع التنمية في دول النفط، لذلك تحتاج دول النفط إلى أن تعوض خسارتها في الفترة الماضية وعليها الآن أن تستمر في استكمال المشاريع التنموية الجارية في دولها خاصة في ظل انخفاض السيولة العالمية وارتفاع تكلفة التمويل العالمي بجانب انخفاض أسعار النفط نتيجة التباطؤ الاقتصادي العالمي نتيجة الأزمة المالية العالمية، بدلا من أن تصبح الفوائض البترولية كبش فداء، هذا بخلاف الأموال التي خسرتها نتيجة الأزمة العالمية وكذلك الأموال المجمدة التي لا تستطيع أن تسحبها .
أما مبادئ الاقتصاد الإسلامي فإنه لا يفرض على الآخرين والابتعاد عن الشعارات (الإسلام هو الحل) (البديل هو الاقتصاد الإسلامي) لأن هذا الدين حيوي نترك الآخرين يدركون بأنفسهم قيمة وقيم مبادئ هذا الدين الحنيف، خصوصا أننا لم نتمكن من تطبيق مبادئ الاقتصاد الإسلامي في دول العالم الإسلامي بسبب التبعية والاغترار بديناميكية وابتكارات الرأسمالية الغربية، رغم أن المشكلة ليست في الرأسمالية الغربية وإنما في الأصولية الرأسمالية، وهناك جوانب عديدة في الرأسمالية الغربية تتفق مع مبادئ الاقتصاد الإسلامي.
لا بد أن يتخلى الغرب عن أنانيته بعد هذه الأزمة والتوقف عن شعار (العالم ليس شركاء في الأرباح شركاء في الخسائر) وأنه آن الأوان أن يتحول صندوق النقد الدولي من صندوق تديره النخبة وتسيطر عليه الولايات المتحدة إلى صندوق لأصحاب الموجودات، وانتهى عهد التحكم في الصندوق من قبل الولايات المتحدة بعدما أنشئ بعد الحرب العالمية الثانية 1944 وعقد مؤتمر بريتون وودز تمخض عنه إنشاء صندوق النقد الدولي، لكن انهار هذا المؤتمر عام 1971 تحول الصندوق إلى اختراع نفسه أداة لإدارة الفوائض ولم يقدم الصندوق قروضا للبلدان التي تضررت من ارتفاع أسعار النفط، ولم يكن عامل استقرار وكذلك لم يكن لاعبا ماليا كبيرا. ولكن كيف يمكن إزالة الشكوك بشأن استخدام الموجودات لأغراض سياسية استراتيجية بعد هذه الأزمة؟ وكيف يمكن أن يستعيد ثقة الدول الأعضاء به؟ فلا بد من إصلاح إدارته على نحو يمكن للبلدان الجديدة ذات الفوائض من ممارسة نفوذ كبير والشعور بالثقة من أنها لن تتعرض للخداع السياسي، ولا بد أن يكون في منأى عن تأثير الولايات المتحدة ومحاولاتها التحكم فيه حتى لا يكون فقط لدعم الدولار، ويمكن تخصيص الأصوات على أساس الموجودات التي تحتفظ بها الدول لدى الصندوق استنادا إلى الحقائق الدولية الجديدة.
فنسخة جديدة من الصندوق يمكن أن تسهم إسهاما كبيرا في استقرار توقعات الأسواق لأن صندوق النقد الدولي أنشئ عام 1944 في عالم كان يخلو من التدفقات الرأسمالية الخاصة وكانت الدول فيه التي تقوم بجميع التعاملات الدولية .
فلا بد من إنشاء صندوق نقد دولي يخضع لهيئة رقابة دولية وفق أنظمة دقيقة وشفافة تلغي السم السياسي الذي اقترن في الفترة الماضية بإعادة رسملة البنوك والتدخلات في شؤون العملات.
إذن العملية الإنقاذية لا بد أن تكون دولية وليست ثنائية أو لجماعة محددة بل وفق ضوابط عالمية كي يستفيد جميع الأطراف وتضمن حقوقها بعيدا عن التقوي وفرض شروط القوي على الضعيف أو وفق مساومات مثلما تساوم أمريكا الآن العراق على التوقيع على المعاهدة الأمنية وإلا تتعرض لحالة عدم الاستقرار وتوقف الاستثمارات هذا المعلن والمخفي أعظم.
والجميع يعرف الهجمات الشرسة التي تعرضت لها ثروات الصناديق السيادية رغم أن موجوداتها يديرها صندوق النقد الدولي والتشكيك في هذه الثروات بوجود أجندة سياسية خفية، رغم أن هذه الثروات السيادية كانت تهدف إلى تكوين شراكات استراتيجية طويلة المدى بدلا من تحقيق مكاسب سريعة، وهناك بعض الغربيين يعترفون بدور صناديق الثروة السيادية كجهات استثمارية أنقذت بعض كبريات المؤسسات المالية من المصاعب التي واجهتها أثناء أزمة الرهن العقاري الحالية، وكانت تشتري الأسهم بتكلفة عالية وغالبا بخسارة كبيرة مع اشتراط عدم تمثيل الجهة المشترية في مجلس الإدارة وحرمانها من حقوق التصويت أو أي معاملة تفضلية بينما نجد الآن الترحيب الحار لاستقبال الثروات السيادية كمنقذ، ولكننا نريد أن يدخل العالم عهدا جديدا الجميع فيه شركاء في الأرباح والخسائر ولكن هل تتحقق هذه الغاية وينتهي عهد شريعة الغاب؟ فالمستقبل القريب سيجيب عن هذا السؤال، ولكن عندما تتحد الدول الناشئة ويصبح لها صوت فاعل وقوي يثني الغرب عن الاستمرار في أنانيته لأن الأزمة الحالية لم تضرب الغرب الذي تسبب في هذه الأزمة، بل امتدت أيضا إلى اقتصادات فقيرة لا ذنب لها.
إذن المساهمة لا تكون بالتنازل عن حقوق الشعوب وفوائضها واحتياطياتها حتى لا تكون مكافأة للسارق على سرقتة بدلا من معاقبته على فعلته وإنما تكون المساهمة في تأسيس نظام مالي عالمي جديد يؤسس لعهد جديد قائم على العدل والمساواة لإعادة الثقة بالنظام العالمي يتجه نحو عالم متعاون متعدد الأقطاب الاقتصادية .