المشراق

شلاش يدافع عن امرأة

شلاش يدافع عن امرأة

هناك بون شاسع بين عقلية العربي الذي يرى أن الاعتداء على المرأة وضربها عيب وعار، وعقلية العسكري التركي العثماني الذي لا يقيم وزنا لهذه الأعراف والتقاليد والأخلاق، فطالما اعتدى على الأطفال والنساء بالضرب والسب وأحيانا ما هو أبشع من ذلك.
رأى رجل عربي نبيل عسكريا تركيا يهجم على امرأة ويوسعها ضربا وشتما دون شفقة أو رحمة، وهي تصرخ مستجيرة بالناس عل أحدا ينقذها من هذا العسكري التركي، الذي تمادى في قسوته فضربها بعقب البندقية بكل عنف حتى كادت لو استمر أن تهلك. لم يتحمل العربي النبيل شلاش العر هذا المنظر البشع، وهذه الخسة، التي لم يعتدها في مجتمعه العربي، ذلك المجتمع الذي يعد ضرب المرأة عيبا. لم يحتمل شلاش العر وحشية العسكري التركي فهجم عليه وضربه كي ينقذ المرأة من جبروته وطغيانه، وأهوى عليه بحجر فخر صريعا، ونجت المرأة، وهرب شلاش العر لمعرفته أن السلطة التركية، التي تحتل بلده العربي ستنتقم منه لا محالة، وربما تحكم عليه بالقتل. فر شلاش هائما على وجهه يبحث عن ملجأ يحميه من الترك، وتنقل متخفيا بين الجبال والوديان والصحارى حتى رمته الأقدار إلى دار شيخ عربي أصيل، وفارس مقدام هو محمد بن دوخي بن سمير، فحل عليه ضيفا معززا مكرما، ثم أخبره بقصته وأنه مطارد من الأتراك، فتعهد له محمد بن دوخي بالحماية والإجارة، وألا يمسسه سوء ما دام في جواره. وهكذا مضت الأيام، ولكن الترك ظلوا يبحثون عن شلاش، ويسألون عنه، حتى اقتربوا من دار الشيخ محمد بن دوخي، وقد بلغ ذلك شلاش، فبات ليلته أرقا لا يستطيع النوم، خشية أن يقبض عليه الترك، ولشعوره بأنه سبب حرجا للشيخ محمد بن دوخي. انتبه الشيخ العربي الأصيل ابن سمير لوجوم ضيفه، وفهم ما يكنه صدره، فنظم قصيدة رائعة تعبر عن الخلق والنبل العربي، يقول فيها مخاطبا ضيفه ومتحديا الأتراك:
يا شلاش ما نعطيك حمر الطرابيش
لو جمعوا كل العساكر علينا

وش عذرنا من ام الثنايا المباهيش
غرو يزين مرود الكحل عينا

دونك نسوق المال والخيل والجيش
وان لزموا يا شلاش نرهن حدينا

اخوان عذرا ما بهم ماكر كديش
يرجع معيف خاسر من يبينا

حنا بني وايل بعاد المطاريش
حامين من النقرة الى حد سينا

مركاضنا يشبع بها نافض الريش
نرهب اعدانا كان حنا مشينا

ستر العذارى ناقظات العكاريش
ياما تسلطنا وياما عفينا


وتحتاج القصيدة إلى شرح بعض المفردات حتى يتيسر فهمها:
شلاش: شلاش العر، من عشيرة العمور في سورية، وكان مستجيرا بالشاعر. فقد صدر أمر باعتقاله من السلطات العثمانية. حمر الطرابيش: رجال الدولة العثمانية وعسكرها.
الثنايا المباهيش: الأسنان الجميلة الناصعة، التي يبدو جمالها أثناء الابتسامة، غرو: شابة صغيرة جميلة. مرود: ميل الكحل. وفي البيت الثالث يقول الشاعر مخاطبا ضيفه المستجير إننا سندفع المال والخيل والإبل فداء في سبيلك، وإن رفضوا فسنسلم لهم واحدا منا نيابة عنك. وقد سلم الشاعر أخاه للسلطات العثمانية.
إخوان غذرا: عزوة ونخوة آل سمير. كديش: هجين. بعاد المطاريش: النجعة. أي أن قبيلتهم تسيطر على أماكن شاسعة وبعيدة. النقرة: الأرض المنخفضة، ويقصد بها هنا مدينة الجوف في شمال السعودية. سينا: المنطقة المعروفة في مصر. مركاضنا: ركضنا في الحرب. نافض الريش: الطيور التي تأكل جثث القتلى. العكاريش: شعر الرأس.
وقد وفى الشاعر بوعده فلم يسلم ضيفه للأتراك رغم إصرارهم الشديد على تسليمه.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من المشراق