3 تحديات أمام الشركات العائلية الخليجية .. كيف تتجاوزها وتضمن البقاء؟
3 تحديات أمام الشركات العائلية الخليجية .. كيف تتجاوزها وتضمن البقاء؟
تعد الشركات العائلية من أهم الروافد الاقتصادية الداعمة لمسيرة النمو في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء. وتحتل هذه الشركات أهمية خاصة في دول المجلس نظرا لأنها تشكل العمود الفقري للقطاع الخاص الخليجي الذي نشأ تاريخيا وترعرع في إطار عائلات خليجية كانت تمارس الأعمال التجارية والصيد قبل اكتشاف النفط.
وقد ساعد اكتشاف النفط واستغلاله تجاريا وارتفاع أسعاره في توفير البيئة المناسبة لنمو العديد من الشركات العائلية وتطورها، حيث تنوعت نشاطات بعضها وامتدت خارج الحدود الإقليمية لدول المجلس.
وتواجه الشركات العائلية في دول المجلس في هذه المرحلة عديداً من التحديات، أهمها المحافظة على إنجازاتها التي استطاعت تحقيقها عبر الجهود المضنية التي بذلها الجيل المؤسس، حيث أثبتت التجربة العملية أن هذه الشركات تأخذ بالضعف والاضمحلال بعد تعاقب عدة أجيال نتيجة نشوب الخلافات العائلية على امتلاك الشركة وإدارتها بين أفراد العائلة الواحدة.
ومن التحديات الأخرى التي تواجه الشركات العائلية تداعيات العولمة الاقتصادية بمظاهرها كافة من إنشاء منظمة التجارة العالمية وإقامة التكتلات الاقتصادية وسرعة الابتكارات العلمية والتقنية في الإنتاج والاتصال. كل هذه المتغيرات وغيرها ستدفع إلى احتدام المنافسة التي ستواجهها الشركات العائلية داخليا وخارجيا، فلا يبقى أمامها إلا الاستجابة لمتطلبات هذه المنافسة من خلال إعادة النظر في هياكلها الحالية والعمل على تطوير نفسها إنتاجيا وإداريا وتسويقيا.
وبينت دراسة متخصصة أعدها الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الحليم محيسن أن من أهم عوامل اضمحلال أو ضعف الشركات العائلية من خلال دراسة بعض التجارب لعدد من الشركات العائلية هو عدم قيام المؤسس الرئيس (الأول أو الثاني) بوضع ما يمكن أن يطلق عليه "الدستور العائلي" أو "النظام العائلي الداخلي" الذي يحافظ على كيان العائلة ووحدتها من خلال الاعتراف بالنصيب الشرعي لكل فرد من أفراد هذه العائلة في ملكية الشركة. كما يوضح آلية إدارة الشركة بحيث يتولاها أكبر أفراد العائلة الذي يتوسم فيه المؤسس المقدرة والكفاءة على إدارة أمور الشركة في حياته أو بعد وفاته.
إن وجود ما يمكن أن يطلق عليه الدستور العائلي يعد شرطا أساسيا لتنظيم آلية اتخاذ القرارات الاستراتيجية بخصوص هيكل الشركة من حيث المحافظة على إطارها العائلي أو تحويلها إلى شكل من أشكال الشركات المساهمة.
ولمواجهة التحديات السابقة اقترحت الدراسة عدة خيارات استراتيجية أمام الشركات العائلية لاتباعها، منها الاستمرار بشكلها العائلي شريطة وجود دستور ونظام عائلي يحكم أعمالها ويحافظ على النصيب الشرعي لأفراد العائلة ووجود انسجام تام بين أفراد العائلة، ومرجعية أساسية يرجعون إليها عند احتدام الخلافات بينهم. كما أنه يمكن للشركات العائلية أن تعمد إلى التحول إلى نوع من أنواع الشركات المساهمة أو عقد تحالفات استراتيجية أو الاندماج مع شركات أخرى. ويبقى الحل الوحيد عند وجود خلافات عائلية كبيرة وعميقة هو تقسيم الشركة إلى شركات صغيرة أو بيعها وذلك للمحافظة على الروابط العائلية المقدسة التي لا تقدر بمال بين أفراد الأسرة الواحدة.
إن لكل من الخيارات السابقة مزاياه وعيوبه، ولم تحاول الدراسة أن تفضل خيارا استراتيجيا على آخر، بل إن على المؤسس الأول أو أفراد العائلة تقرير الخيار الأفضل لهم في ضوء الاعتبارات الموضوعية التالية: مدى الترابط الأسري بين أفراد العائلة في الوقت الحالي وفي المستقبل وبالتالي قدرة العائلة على تحديد مصير الشركة وطريقة إدارتها، ومدى توافر الكفاءة الإدارية والتنظيمية لدى أفراد الأسرة لتولي أمور الشركة.
وقد أوصت الدراسة الشاملة التي أعدها الخبير محيسن بما يلي:
1) بغض النظر عن الخيار الذي تفضله الشركات العائلية بالنسبة لإطارها العائلي فإن عليها في كل الأحوال الانفتاح على التقنيات الحديثة في الإنتاج والإدارة والتسويق، والاعتناء بتحسين جودة الإنتاج، وبناء نظم إدارية حديثة تسهل عملية الرقابة والإشراف على جميع أعمالها.
2) على كبير العائلة أو المؤسس الأول أن يترك رؤية واضحة ومكتوبة لما ستؤول إليه الشركة العائلية بعد وفاته، أو اتخاذ قرارات حاسمة بشأن هيكل الشركة في حياته حفاظا على منجزاتها في ضوء تقييمه مدى الترابط العائلي بين أفراد أسرته ومقدرتهم على تولي شؤون الشركة بعد وفاته. ومن هذه القرارات تحديد من سيليه في الإدارة وكيفية توزيع الإرث بين الشركاء، وتكوين مجلس عائلي يقوم بالتصويت على بعض الأمور المهمة.
3) يجب أن تناط عملية اتخاذ القرار الحاسم بشأن مصير الشركة العائلية بالمؤسس الأول في حالة وجوده أو من قبل مجلس العائلة، شريطة توافر نظام عائلي يحدد آلية اتخاذ القرار، بحيث يتم تنفيذ ما تتوصل إليـــه الأغلبية (البسيطة) من العائلة.
4) يجب الاهتمام بتعليم الجيل الصاعد من أبناء العائلة وإعدادهم لتولي أمور الشركة منذ الصغر ومن خلال التدرج الوظيفي، وعدم توظيف الأبناء في مراكز إدارية عليا في الشركة العائلية دون توافر الكفاءة والخبرة لديهم.
5) قيام الجهات الحكومية المختصة بتشجيع عملية التحول للشركات العائلية إلى شركات مساهمة ورعايتها، وتسهيل الإجراءات لهذا التحول الذي يحافظ على كيان الشركات العائلية، ويعمل على استمراريتها لأهمية هذه الشركات في الاقتصاد الوطني.
6) أهمية قيام الغرف التجارية والصناعية والجهات ذات الاختصاص بعقد الندوات وعمل الدراسات الاقتصادية والقانونية والإدارية والمالية لتوضيح المزايا التي تعود على أصحاب الشركات العائلية نتيجة إعادة النظر في هياكلها الحالية وتبني إستراتيجية مستقبلية قادرة على الاستجابة لمتطلبات المرحلة.
7) ضرورة إعادة النظر في الأنظمة والقوانين الاقتصادية في دول مجلس التعاون الخليجي المعنية بالشركات العائلية وتطويرها بما ينسجم مع متطلبات منظمة التجارة العالمية، وبما يساعد على تحديث ورفع أداء الشركات العائلية التي ترغب في المحافظة على كيانها العائلي وتسهيل عمليات التحول إلى أي نوع من أنواع الشركات العائلية.
8) العمل على تحفيز العاملين لدى الشركة واعتبارهم من أهم أصول الشركة، مع إعطاء دور للمرأة في تسيير أعمال هذه الشركات دون اختلاط ومراعاة أحكام الشريعة بهذا الشأن، ووضع إدارة نسوية إذا احتاج الأمر لذلك.
9) هناك حاجة لتوفير قواعد للمعلومات عن الشركات العائلية وكذلك توفير المعلومات الضرورية لها، وتوفير الموارد البشرية اللازمة، وذلك بإنشاء المعاهد والكليات والجامعات المتخصصة في إدارة الأعمال، وتوفير التدريب المتخصص من قبل الدولة، أو تدريب مواردها البشرية بنفسها وكذلك إنشاء مدارس الأعمال التي تربط مخرجاتها بالاحتياجات الفعلية للشركات.
10) العمل على إبراز الوظيفة الاجتماعية للشركات العائلية وتوظيف جزء من أموالها في المجتمع الذي تعيش فيه واعتبار مصلحتها الذاتية تصب في مصلحة المجتمع.
خبير اقتصادي