رواية «الحي العربي».. أسئلة متوارثة عن الوطن والهوية والمستقبل
عبر مدينة مونتريـال التي تمحورت حولها معظم أعماله، يدخل الروائي المصري- الكندي أسامة علام مرحلة جديدة في كتابته عن الهجرة والاغتراب في رواية "الحي العربي" يتناول فيها قضايا الجيل الثاني من المهاجرين.
والرواية الصادرة عن دار الشروق في القاهرة في 292 صفحة هي الخامسة للمؤلف الذي يعمل طبيبا ويعيش في مونتريـال في مقاطعة كيبك إضافة إلى مجموعة قصصية واحدة.
تدور الأحداث في قالب من الفانتازيا يبدأ بوصول منتخب عربي لكرة القدم إلى نهائي كأس العالم وفوزه بالبطولة لتتحول احتفالات سكان الحي العربي في مدينة مونتريـال الكندية إلى أحداث شغب تنتهي إلى فرض سور عازل حول الحي ومنحه الاستقلال لتنشأ بذلك أصغر دولة في أمريكا الشمالية.يتخذ المؤلف من هذا الواقع الجديد منطلقا لبناء روايته التي تعود فيها البطولة إلى عبد الرحمن محمود، وشهرته "رحمن زعبوط"، الذي هاجر إلى كندا في ثمانينيات القرن العشرين ويملك المقهى الأكبر والأشهر في قلب الحي العربي.
تتطور الأحداث لتقود رحمن زعبوط إلى حكم الدولة الوليدة دون جهد أو سعي منه لذلك لتبدأ جميع متناقضات شخصيته والترسبات التي راكمها الوطن الأم داخله في الطفو على السطح فتبدو تصرفاته غريبة تارة وجريئة تارة وحمقاء تارة أخرى.الحاكم الجديد رجل محب للمال والنساء، يحمل في داخله أفكار وتقاليد وذكريات وطنه السابق، لكنه في الوقت نفسه يستفيد من كل المكتسبات التي يوفرها له الغرب، وهو شخص لا يمكن وصفه بالمثالي.
ورغم ذلك يحمل في داخله كثيرا من الأحلام الطيبة للبلد الوليد التي كلما سعى إلى تحقيق أحدها تحول إلى كابوس.
وبجانب التحديات التي واجهها رحمن زعبوط على الأرض لتأسيس الدولة الجديدة وإقامة دعائمها كانت هناك تحديات وعوائق داخله عليه التغلب عليها أولا.
أول هذه التحديات رحيل زوجته زينب، تلك المرأة التي قهرها وهي حية وتزوج عليها مرة تلو أخرى من فتيات صغيرات لإمتاع نفسه لكنها ظلت داعمة ومساندة له حتى يوم مقتلها في أحداث الشغب الكروي التي كانت سببا في قيام الدولة.
وبرحيل زينب ينفرط عقد أسرة رحمن زعبوط، التي تتألف من الابن ياسين، الذي نشأ ممزقا بين جذوره العربية وبيئته الغربية فانتهى به الحال إلى تشكيل عصابة للسطو والنهب، والابنة نرجس، التي انخرطت في حياة الغرب واستقلت بحياتها بعيدا عن العائلة وتخلت عن عذريتها فتبرأ الأب منها.
تتداخل مع الحاكم الجديد وابنه وابنته شخصيات كثيرة في الحي العربي معظمها لمهاجرين جاؤوا من مناطق مختلفة ليجمعهم هم الاغتراب في كندا، لكنهم ما لبثوا أن اطمأنوا لاستتباب وضعهم في مونتريـال وبدأوا في الذوبان وسط المدينة حتى وجدوها تلفظهم وتضعهم خلف سور عازل فتعيدهم من جديد إلى متاهة الهوية والانتماء.
وبينما تتفاعل نرجس مع الأحداث وتحركها جزئيا مع حبيبها الجديد "وديع" الذي جاء من المغرب إلى الحي العربي قبل وقت قصير من استقلاله، يغيب ياسين عن المشهد ويعود قرب نهاية الرواية ليقلب الأمور رأسا على عقب في الدولة الجديدة.
ومع وصول الأحداث إلى ذروتها يتراجع الوطن الافتراضي بمفهومه الجغرافي الذي رسمه المؤلف من وحي خياله مفسحا الطريق أمام الوطن الساكن داخل كل شخصية من شخصيات العمل ليعيد تشكيل المستقبل.