بناء دفاعات لمواجهة الهبوط الاقتصادي المقبل «2 من 2»

من الأمور التي خلفت شعورا بالاستياء منذ الأزمة المالية العالمية تصور أن المصارف تم إنقاذها على حساب العامل العادي. ونتيجة لذلك، فإن أي ركود مستقبلي يمكن أن يهدد ماليات الأعمال الصغيرة أو أصحاب المنازل من المرجح أن يطلق الدعوات للمساعدة على تخفيف أعباء الديون. ومن الممكن أن يؤدي دعم نسبة كبيرة من الاقتصاد إلى زيادة الضغوط على الماليات العامة المضغوطة بالفعل، لكن عدم تقديم هذا الدعم يمكن أن يعمق الانقسامات السياسية.
وإذا عاد الركود ليهدد استقرار المصارف، فإن اللجوء إلى عمليات الإنقاذ سيصبح محدودا بحكم القانون، عقب إصلاحات التنظيم المالي التي تدعو إلى تحمل الملاك والمقرضين جانبا من عبء الإنقاذ. لكن هذه النظم الجديدة لا تزال تفتقر إلى التمويل ولم يتم اختبارها بعد.
وينبغي ألا نغفل عن أن الإجراءات غير التقليدية من جانب البنوك المركزية التي دعمتها الخزانات الوطنية بتمويل مساند حققت نجاحا كبيرا في احتواء الضعف الذي انتاب أسواق رأس المال الأمريكية الأساسية أثناء الأزمة المالية العالمية التي ربما تكون قد أحدثت تداعيات معطلة في مختلف أنحاء العالم. وفي هذا الصدد أيضا، لا يرجح أن تتوافر القدرة على تكرار هذه الإجراءات.
والنقطة هنا هي أن خيارات السياسة الوطنية والموارد المالية العامة قد تكون مقيدة بدرجة أكبر بكثير مما كانت عليه في السابق. والدرس الصحيح الذي يجب استخلاصه من تلك الإمكانية هو أن على كل بلد أن يكون أحرص بكثير على الحفاظ على النمو، والحد من مواطن الضعف، والاستعداد لأي تطورات مقبلة.
وثمة درس آخر هو أهمية الاستعداد والتحرك على أساس متعدد الأطراف. فقد أسهمت المؤسسات على غرار صندوق النقد الدولي بدور محوري في مواجهة الأزمات وإبقاء الاقتصاد العالمي على المسار الصحيح. وحتى يتسنى التحرك الفعال لمواجهة التحديات كان يتعين القيام بإصلاح مطرد، وهو ما حدث وينبغي أن يستمر.
وفي مواجهة الاستياء من العمل متعدد الأطراف في بعض الاقتصادات المتقدمة، من الضروري مواصلة عملية التطوير الجارية في صندوق النقد الدولي التي تشمل مختلف أدوات الإقراض، والأنشطة التحليلية والبحثية حتى نتمكن من الاستمرار في أداء مهمتنا الأساسية المتمثلة في دعم النمو العالمي والاستقرار المالي. وستزداد أهمية هذه العملية إذا ثبتت عدم كفاءة أدوات السياسة الوطنية في مواجهة الأزمات.
وقد تمت زيادة قدرة الصندوق على الإقراض أثناء الأزمة المالية العالمية إلى نحو تريليون دولار في تحرك قوي من جانب البلدان الأعضاء في وقت كانت الحاجة فيه ماسة. ومن هذا المنظور، كان من المشجع أن مجموعة العشرين، في اجتماعها الذي عقد في تشرين الثاني (نوفمبر) 2018 في بوينس آيريس، أعادت تأكيد التزامها بدعم شبكة الأمان المالي العالمية، وفي القلب منها صندوق نقد دولي قوي ومدعوم بالتمويل الكافي.
وقد دعت كريستين لاجارد، مدير عام الصندوق، إلى "عمل تعددي جديد" يركز على تحسين حياة كل مواطني هذا العالم وضمان توزيع الثمار الاقتصادية للعولمة والتكنولوجيا على نطاق أوسع بكثير من ذي قبل. ويشكل هذا هدفا أساسيا وعاملا من العوامل المطلوبة لضمان القدرة على منع الأزمات المستقبلية والتحرك الفعال لمواجهة الركود المقبل. ويمثل هذا أسلوبا عمليا وواقعيا للتغلب على انعدام الثقة بالمؤسسات، وبناء مستقبل مشترك ومزدهر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي