المشراق

قصر الجعفرية.. شاهد للإرث العربي الأندلسي

قصر الجعفرية.. شاهد للإرث العربي الأندلسي

قصر الجعفرية.. شاهد للإرث العربي الأندلسي

في شمال شرقي إسبانيا، في وسط مدينة سرقسطة، وفي منطقة بلغت الغاية في الجمال يقف قصر الجعفرية شامخا بمنظره البديع شاهدا على الإرث العربي العظيم في الأندلس. ويعرف قديما باسم قصر السرور أو دار السرور.
تحدث ابن سعيد في كتابه "المغرب في حلى المغرب" عن مدينة سرقسطة وقصر الجعفرية فقال: "قد نص الرازي على طيب أرضها وحسن بقعتها. ومن المسهب: أما سرقسطة فإني أنشد بعد خروجي عنها ما قاله ابن حمديس:
فإن كنت أخرجت من جنة
فإني أحدث أخبارها

ناهيك من مدينة بيضاء، أحدقت بها من بساتينها زمردة خضراء، والتفت عليها أنهارها الأربعة، فأضحت بها رياضها مرصعة مجزعة. ولا نعلم في الأندلس يحدق بها أربعة أنهار سواها، وكأن كل جهة تغايرت على إتحافها، فأهدت إليها نهرا يلثم من أعطافها. وأشهرها نهر جلق، وشرب موسى بن نصير فاتح الأندلس من ماء نهر جلق، فاستعذبه، وحكم أنه لم يشرب بالأندلس ماء أعذب منه، وشبه ما عليه من البساتين بغوطة دمشق. وقيل إن سرقسطة من بنيان الإسكندر، وفيها يقول الأمير عبدالله بن هود الذي أخرجه بنو عمه منها:
إن بنت عن سرقسطة
فبرغم أنفي لا اختياري
ما جال طرفي في السما
ء وقد نأت عنها دياري
إلا وخلت قصورها
برياضها هذي الدراري
ومن متفرجاتها الجلقين ووادي الزيتون. ومن مصانع ابن هود قصر السرور، ومجلس الذهب، فيهما يقول المقتدر بن هود:
قصر السرور ومجلس الذهب
بكما بلغت نهاية الطرب
تحدثت الدكتورة سلمى الخضراء الجيوشي في كتابها "الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس" عن قصر الجعفرية وذكرت أنه يوجد في مدينة سرقسطة، وأن الذي بناه هو المقتدر بن هود حاكم سرقسطة في القرن الـ11 الميلادي، خلال عهود ملوك الطوائف، وذكرت أنه قصر منيع يحيط به سور مستطيل الشكل وأبراج أسطوانية وأبراج أخرى مستقيمة للدفاع عن القصر، توجد في داخله غرف مرتبة حول صحن القصر الذي يفضي إلى مسجد صغير فيه محراب على شكل حدوة فرس، وهو أول محراب اتخذ الشكل القرطبي في ذلك الوقت. أما قوس المدخل فمرصع بنقوش قليلة النتوءات، وهي كذلك ميزة للنحت والنقش القرطبي، غير أن هناك تصميما قام به المهندسون المعماريون في قصر الجعفرية جعله يتميز عن الهندسة المعمارية القرطبية، بحيث تم فصل الأقواس، بخلاف ما كان عليه الحال في قصر الحكم الثاني بقرطبة، حيث الأقواس متشابكة، وهكذا يظهر في قصر الجعفرية كل قوس وكأنه نموذج من الخط العربي. كما جعلت للأقواس رؤوس مخروطية، ما زاد في طولها وأكسبها دلالة خاصة، عدا ما تميزت به من تيجان بأشكال ورقية نباتية مزخرفة متداخلة بشكل شائك. كما تميزت الأقواس بفصوص عديدة بها طنف ونتوءات وهي ميزة معمارية تجميلية. وهذه النزعة تتجلى في نقش جصي من القصر محفوظ في متحف الآثار الوطني في مدريد؛ بحيث إن جانبي القوسين لا يلتقيان، بل يفصل بينهما عدد كبير من الأعمدة المزخرفة مدعمة بأعمدة صغيرة وتيجان. وقد تعهد حكام سرقسطة الفن القرطبي بالرعاية؛ إذ أعجبوا به أيما إعجاب، لما يحمله من دلالات عميقة.
تعرض القصر عبر القرون لتغيرات كما تعرض لخسائر، وتهدمت أجزاء منه في حرب الاستقلال الإسبانية ضد جيوش نابليون بونابارت، ورمم في النصف الثاني من القرن الـ20. القصر حاليا هو مقر المجلس التشريعي للأراجون.
اهتم عالم إسباني اسمه إنيجيث ألمش بهذا القصر وألف كتابا بعنوان ''هكذا كان قصر الجعفرية'' وضع فيه مخططات ورسوما تاريخية للقصر وأجنحته في عصور متعاقبة، وصورا لبعض عقوده وزخارفه.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من المشراق