حمد النجراني الأصيل

حمد النجراني الأصيل

حمد النجراني الأصيل

الأخبار الحزينة لا تستأذن .. تحس أنها تضربك بمقتل .. أعظمها وأشدها على النفس موت عزيز. أي حزن غير حزن الموت، وأي موت غير موت عزيز. أمس فقدنا زميلنا حمد آل قعيمان .. الشاب اليافع الذي طالما ملأ الحماس نفسه، لتقديم عمل مميز موثق وصادق، والأهم أن ينفع نجران وأهلها. ذهب (زميلنا/ عزيزنا) ضحية حادث سيارة - هذا الغول الذي يلتهم الكبار والصغار ويصعق البيوت السعودية بقوة.
قبل يومين نشرنا له تقريرا عن قرب وصول مياه الربع الخالي إلى نجران، كان يتحدث وكان هذا المشروع له شخصيا أو أنه الوحيد الذي سيشرب منه. فرحنا بالخبر، ومتابع له باستمرار، سألته عن سره فقال: ياحبيب لو رأيت الظمأ في نجران فلن تلومني.
أمس الأول لا أعرف لماذا تسمرت أمام مادته التي أرسلها عن افتتاح وكيل الإمارة سوقا كبيرة في نجران .. لا أعرف هكذا شاهدتها على شاشة جهاز زميلي عبد المجيد الشميري من قسم التقارير المحلية وتوقفت أمامها، هل هي نظرة الوداع .. لا أعلم!
اليوم وأنا أكتب هذه الأسطر وأمامي صفحة كاملة (جاهزة) كتبها الفقيد عن سوق "أبا السعود" في نجران .. منذ فترة ونحن نحاول اختيار الوقت المناسب لنشرها، لكن الظروف الفنية تقف عائقا، ثم قررنا تأجيلها لحين عودة ملحق "الاقتصادية 2"، ورغم ذلك فإنه لم يضايقه قط تأخر نشر المادة، بل يضعها أمامنا ويترك الباقي لتقدير الزملاء.
قبل أربعة أشهر كنت في نجران، وكانت اتصالاته لا تهدأ منذ أن وطئت أرض المطار، كان يصر على أن أحضر لمنزله مباشرة، بينما كان برنامج الزيارة الرسمي مزدحما للغاية، والجريدة تطلب التقارير الساخنة، قلت يا حمد "أرجوك .. الأهم أن نخرج بتقارير وتغطيات والزيارة فيما بعد".
سرقتنا الساعات والدقائق في نجران الجميلة بجمال أهلها، كنت أقابله على عجل في الإمارة، ثم في الغرفة التجارية، ثم في مقر الوفود، لحظات ثم نغرق عن بعضنا في إعداد التقارير ثم ننشغل بإرسال التقارير والصور، وينقضي اليوم. في اليوم الثالث وقبيل الإقلاع إلى الرياض بأقل من ساعة تقابلنا في منزل الزميل معيض الذي قال إن حمد "أخوه الذي لم تلده أمه"، في منزل الرفدي، كان حمد ممسكا بدلة القهوة وإبريق الشاي تماما كما يفعل البدوي الأصيل أمام ضيوفه، معتمرا الزي النجراني الملفوف على رأسه، بينما يوجه سيلا من العتب لأننا لم ندخل منزله. لم نجد أمام عتبه الجميل إلا أن أعده بزيارة خاصة بعيدة عن أجواء العمل. ومنذ ذلك اليوم كان في كل اتصال يذكرني بالوعد وأذكره بأني عاقد العزم ولن أتردد أبدا ..
أمس في اليوم الصاعق الذي حول صالة التحرير إلى حالة من الوجوم تلقيت اتصالا من زميلنا عبد الرحمن المنصور مدير التحرير في الحادية عشرة صباحا يسألني إن كنت أعلم شيئا عن حمد، قلت لا أعلم. على الفور اتصلت بالزميل معيض الرفدي الذي لم يكن أيضا على علم بالخبر.. وأسفت إن كنت أنا من أبلغه ذلك، عاد بعد دقائق بصوت متهدج ليقول صحيح يا حبيب. كان معيض خارج السعودية على ما يبدو، وعلمت أنه قرر العودة إلى السعودية، ويحق له العودة فأي خسارة خسرها بهذا الصديق الوفي. إلى جنات النعيم يا حمد.

نائب مدير التحرير

الأكثر قراءة