في استقبال مستثمر أجنبي
قدمت قبل عدة أسابيع من الصين وهونج كونج في رحلة عمل، زرت خلالها عدة شركات صناعية كبرى، وقد أبهرني ما رأيت في هذه الدولة من التطور الكبير، والتنظيم الدقيق للخدمات المقدمة للزائر وللمواطن في بلده، فرغم وجود الأعداد الهائلة من الناس، إلا أن كل شيء موزع بانتظام وبترتيب دقيق، فلا يمكن أن تتوه أو تتعب للوصول للغاية التي تريدها، ففي كل مكان يوجد مَن يتحدث الإنجليزية ويقوم بمساعدتك للوصول للمكان الذي تريد، حتى الذين لا يتحدثون الإنجليزية يحاولون التأكد من أن الخدمة التي تريدها قد حصلت عليها بطريقة أو بأخرى، وهذا الشيء وجدته في كل مكان (المطار، الفندق، المطاعم، المراكز التجارية.....)، وهذا الشيء قادني لأفكر في موضوع مهم طرأ على تفكيري، فوجدت أن هذا التنظيم للخدمات هو السبب الذي ساعدهم في النمو بسرعة، وجعلهم قادرين على جذب المستثمرين والتجار للتعامل معهم إضافة للأسباب الأخرى، ثم قادني تفكيري لأكتشف أن هذا الشيء هو الذي جعل دولة مجاورة لنا ناجحة في جذب المستثمرين والتجار إليهم، إنها جودة الخدمة المقدمة.
عندما عدت إلى مطار الرياض، طلبت من العامل الذي يحمل الحقائب أن يذهب بي لسيارات الأجرة لتقلني لبيتي وأنا متعب من رحلة تسع ساعات، وطلبت منه أن يذهب بي إلى سيارة أجرة تابعة لشركة، بسبب أنني قبلها بشهر عندما قدمت من إحدى السفريات ذهبت لسيارات الأجرة التي يملكها سعوديون، فوجدت أن سائق الأجرة السعودي يريد أن يأخذ 90 ريالا لمشوار بيتي، الذي أعلم أن تسعيرته الرسمية الموضوعة هي 50 ريالا، واكتشفت أن جميع السائقين متفقين أن يرفعوا الأسعار بينهم. فإما أن تدفع الذي نريد أو اذهب للبيت مشياً على الأقدام، فاضطررت مع هذا الابتزاز للدفع لأني متعب من السفر، وليس لدي حل آخر.
عندما عدت هذه المرة إلى مطار الرياض، ذهبت لسيارات الأجرة التي تملكها شركات، كما ذكرت، وأغلب سائقيها غير سعوديين، فاكتشفت أن هناك مصيبة أكبر، وهي أن السائقين الأجانب لا يريدون إيصال شخص واحد لمكان ولا يرضى أحدهم أن يحرك سيارته، ويجلس يبحث عن العمالة الرخيصة يجمعهم كلهم في مشوار واحد ويأخذ المال من كل واحد فيحصل على مبلغ كبير. طبعاً هذا لا يحصل إلا لأنه متفق مع المشرف عليهم، الذي يكون غالباً من الجنسية نفسها وهو الذي يكتب الفواتير، طبعاً لك أن تتخيل ما الذي يكتب في الفواتير. طبعاً نصحني حامل الحقائب أن أدفع رشوة للمشرف ليأتيني بسيارة أجرة، ولأني متعب من السفر وأريد الوصول بسرعة للبيت استجبت لهذا الابتزاز من هذه الشركة، التي أحتفظ باسمها.
دعونا نتخيل أن هذا يحصل مع مستثمر قادم للمملكة لأول مرة، كيف ستكون ردة فعله عندما يصل للمطار، كيف ستكون ردة فعله للنظام في البلد؟ هل سيشجعه هذا على الاستثمار، إذا وقع في المشكلة التي حصلت معي كيف له أن يتصرف؟ المشكلة الكبيرة أن هذا يحدث في واجهة البلد (المطار). إنني أعلم أن الهيئة العامة للاستثمار تبذل جهودا كبيرة لتجعل المملكة من أكثر الدول جذباً للاستثمار، ولكن أخطاء ومشكلات بسيطة كهذه قد تنسف جهودا كبيرة يتم بذلها، وتشوّه سمعة البلد.
كذلك لو أن سائحاً قدم إلى المملكة، كيف ستكون نظرته؟ هل ستكون صورتنا أننا استغلاليون للأجنبي، كما يتم تحذيرنا من بعض الدول، بعدم الذهاب إليها لأنهم أناس يستغلون السياح الأجانب. أنا لا أتحدث عن مدينة نائية، أنا أتحدث عن عاصمة المملكة والواجهة الكبرى لها.