في ظلال الأزمة فرص حقيقية تلوح في الأفق

[email protected]

يبدو أن العالم اليوم يتحرك بشكل أسرع من أي وقت مضى وأن الأزمة المالية العالمية ستغير فعلا وجه العالم الاقتصادي ولا أبالغ إن قلت السياسي، فالمتابع لمجريات الأحداث يدرك حجم الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالكثير من الاقتصادات المتقدمة والناشئة على حد سواء مما جعل التشاؤم حول مستقبل الاقتصاد العالمي المنظور لا يبشر بالكثير من النمو، بحيث أصبح الحديث على الكساد الاقتصادي خصوصا في الاقتصادات المتقدمة هو المسيطر على عقليات المتابعين. ورغم كل ذلك فإن هناك فرص حقيقية تلوح في الأفق.
وبالنظر إلى ما يجري حاليا والتمعن في مجريات التاريخ، فإن هناك فرصا حقيقية يحملها هذا الركود الاقتصادي العالمي على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية. فتبدو خلال الأزمات فرصة اقتصادية على مستوى الدول وعلى مستوى الشركات وعلى مستوى الأفراد المستثمرين. فنجد أن تشريعات الإصلاح الاقتصادي يجب أن تستفيد من هذه الأزمة بتسريع التشريعات التي تساهم في خلق بيئة استثمارية صحية والاستفادة من حالة الهلع العالمي في توطين التقنيات عن طريق جذب الاستثمارات النوعية، وخصوصا على مستوى الاقتصادات الناشئة والدول النفطية وعلى رأسها دول الخليج العربي التي أصبحت هذه الأيام قبلة الرؤساء والوزراء ورجال الأعمال العالميين طمعا في قليل من النقد الوفير لتحسين الأوضاع الاقتصادية في تلك الدول، فاليوم تعد المملكة من أقل الدول تضررا من الأزمة العالمية وكذلك مخزونها النقدي من ارتفاع أسعار النقط خلال السنوات الثلاث الأخيرة، مما يجعلها في موقع متميز لاستغلال هذه الفترة العصيبة التي يمر بها الاقتصاد العالمي لتكون ملاذا آمنا للشركات العملاقة، ومن منظر آخر الجانب المتعلق بفروقات السيولة، فالمملكة تتمتع بسيولة فائضة كانت وما زالت تبحث عن فرص استثمارية حقيقية، بينما نجد أن دول أوروبا والولايات المتحدة وشركاتها العملاقة وذات التقنية المتميزة تئن تحت وطأة شح مالي يهددها بكساد اقتصادي. لذلك فإن الاستحواذ على شركات التقنيات المتطورة ومن ثم توطينها محليا سيكون ذا تكلفة قليلة وعائد استراتيجي كبير على المدى الطويل وذلك يشمل جميع الشركات ذات العائد الاستراتيجي على الدول كالشركات الزراعية والغذائية والتقنية بجميع أنواعها.
كذلك فإن هذه الأزمة فرصة حقيقية لمراجعة تشريعات عمل الشركات المحلية وتطوير أنظمة الإدارة والمحاسبة ورفع مستويات الشفافية والإفصاح، ولعل الدروس التي تعلمناها مما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية تحديداً يجعل هذا الطرح أكثر أهمية على مستوى التشريعات والمراقبة الدقيقة لعمل القطاع الخاص، كذلك فإنها فرصة حقيقية للشركات لتلعب دورا مهما في تطوير مجتمعاتها بشكل يجعلها في خطر أقل عند حدوث مثل هذه الأزمات العالمية التي تؤثر في مسيرة العمل الاقتصادي المعتمد على أحادية المنتج وضعف السوق المحلي. ولذلك فإن النداءات لتطوير الطبقة الوسطى من المجتمع لتصبح قوة شرائية عن طريق رفع متوسط دخل الفرد يعطي الاقتصاد مناعة أكثر من التأثيرات الدولية، وذلك عن طريق خلق قوة شرائية محلية قوية تساند تنوع الاقتصاد.
وعلى مستوى الأفراد فإن التخطيط طويل الأجل هو سيد الموقف في اقتناص الفرص الاستثمارية التي غالبا ما تبرز في الاقتصاد عموما وفي سوق الأسهم، خصوصا نحن نرى أسعارا مغرية للاستثمار طويل الأجل، فالقناعة بأن الدورة الاقتصادية هي مسألة وقت وأن الاختيار الصحيح للاستثمارات في هذا الوقت بالتحديد لن يحمل مخاطرة كبيرة، خصوصا أن الأسواق تعيش مرحلة تصحيح وترقب وحذر، لذلك فإن الاستراتيجية الصحيحة للدخول هي الفيصل في تحديد عوائد ومدة الاستثمار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي